المهلكات.
يا بني فمن ظفر بهذه الخصال ثم عرف فضلها ، وسلك بنفسه سبيلها ، فاز بالظفر ، وأمن من (١) الغير ، ولم يكثر على الفائت تأسّفه ، وقلّ عند النوازل (٢) تأفّفه ، وأبصر ما بين يديه ، ولم تنكصه الشبهات على عقبيه ، ومن (٣) لم يقده الفهم إلى العقل ، زلّ في شبهات الجهل ، ومن لم يلطف النظر في غوامض الأفطان ، (٤) كاد أن يدهمه الجديدان ، (٥) ومن كثرت حيرته ، ملكته شهوته ، وأردته غرته ، ونظره عدوه بعين الاستقلال ، واستزراه في جميع الأحوال.
[صفات الحكيم]
يا بني : ولخير خصال المرء أن يكون على خلاله مستشرفا ولأوده مثقّفا ، (٦) بما يكون له من غيره متعرّفا ، من جميل يومئ به إليه ، أو مذموم خليقة يطعن من أجلها عليه.
يا بني : فكل من لم يفصل بالتمييز ما يعنيه من زمنه ، ويحذر مضلات فتنه ، ويدخر لنفسه من جدته ، ما يحمد غبّه (٧) في عاقبته ، ويختر الزيادة على النقصان ، والربح على الخسران ، فهو كالماص لثدي أمه ، المخدج (٨) قبل تمّه.
يا بني : الزمان أنصح المستنصحين ، وأرشد المسترشدين ، وبحسب من صحبه ، أن يعرف تغلّبه ، ويقفو آثاره ، ويتصفح أخباره ، ويسير لكل حقبة بسيرتها ، ويلبس لها
__________________
(١) سقط من (ب) : من.
(٢) في (ب) : النوائب.
(٣) سقط من (ب) : من.
(٤) الأفطان : الأمور الغامضة التي تحتاج إلى فطنة.
(٥) الجديدان : الليل والنهار.
(٦) مستشرفا : مطلعا. ولعوجه مثقفا. والتثقيف التقويم ويسمى الرمح مثقفا لتعديل اعوجاجه ومنه سمي المثقف مثقفا بلغة العصر.
(٧) جدته : حالة غناه. والغب : العاقبة.
(٨) الخداج : النقصان.