أخصف (١) لبستها ، حتى تستوري (٢) نار زنده ، وتستحكم قوى معتقده ، وتتحصحص (٣) له طبقات دهره ، ما مدّ له المهل في عمره ، ثم لا يغتر بساعات الليل والنهار ، ولا يسهو سهو من صحب الدهر بغير الاختبار ، ولا يلهو عن مصلحته كأهل الاغترار ، فإذا داوم على ذلك فقد كملت خصاله ، وأحاطت بالجميل أفعاله.
يا بني : ولو أن العاقل ساير الأيام طول حياته بغير الاستحكام ، والنقض والإبرام ، لم يكن إلا كالصبي في مهده ، المدخول في خلده (٤) ، لأن العاقل الذاهل (٥) هو الخائض في بحار الظّلم ، والمرتطم في الخزاية مع المرتطم ، والمعرفة أسطع نورا من المقباس (٦) ، وأجلى للقلوب من الهندوان (٧) للنحاس.
[صفات الغافل]
يا بني : ومن أعجب العجائب ، ذو شيبة (٨) مرتد بالنوائب ، متسربل بالمصائب ، يستنكر ريب التصاريف (٩) ، ويفجر أمامه بالتسويف (١٠) ، وذلك لضعف نحيزته (١١) ، ونسيانه لما يتصرف من أزمنته ، وكثرة سهوه وغفلته ، عما قد أفهمته خبرته ، وانتظمته
__________________
(١) الأخصف : الثوب الغليظ جدا.
(٢) تستوري : تتّقد. والزند : العود الذي تقدح به النار.
(٣) تتحصحص : تظهر وتتضح.
(٤) الخلد : القلب والمراد الغر الذي لا معرفة له بالأمور.
(٥) الذاهل : الغافل الناسي.
(٦) المقباس : الشعلة.
(٧) الهندوان : الحديد المطبوع في الهند ، يقال : سيف مهند وهندواني نسبة إلى الهند.
(٨) في (ب) : شبهة.
(٩) التصاريف : التخاليف أي التقلبات.
(١٠) يركب الفجور في أيامه المستقبلة اعتمادا منه على التوبة المسوّفة.
(١١) النحيزة : الطبيعة.