ولا يسفه (١) بحلمك مملق مذق ، ولا من يستبيه (٢) معروفك بالتّملّق.
[مراقبة النفس]
يا بني : فإن أقل الناس عقلا ، وأبينهم جهلا ، من صدّق من سواه ، بما تكذبه عيناه ، والعقل آمن أمين ، وأفضل قرين ، فاستأمنه على أحوالك ، وجميع خلالك ، واعرف ما عرّفك. وإذا حمدت (٣) من أحد مذهبا ، فكن لمثله متسببا ، ولكل ما تستنكره من غيرك مجتنبا ، (٤) ولتكثر من مستتر عيوبك وحشتك ، وليقلّ بخفياتها أنسك ، فإن اكتتامها كالمحرض (٥) على أمثالها ، وإذا امتلأ الإناء انكفأ ، وإذا تنوسخ (٦) السّر فشا.
فكن يا بني : لجميع خلالك (٧) متفقدا وداوم على جميل ما به تعرف (٨) ، ولا ترض من نفسك بما تستقبح من غيرك إذا انكشف ، وأردف جميل غدك ، بجميل يومك ، ولا تغتر بستر الله عليك ، فتتعرض لما يندمك عجبا بما يومى به إليك ، وتظن أن سالف الحسنات ، يمحو مؤتنف (٩) السيئات.
ومن استصغر سيئته ، فيوشك أن تحبط حسنته ، ولكل نعمة حاسد يدير بها
__________________
(١) لا يسفه : لا يستخف بعقلك.
(٢) المذق : الذي لم يخلص ودّه. ويستبيه : يأسره.
(٣) في (ب) و (د) : أحمدت. يعني : رأيته حميدا.
(٤) في (ب) و (د) : تجنبا.
(٥) في (ب) : بالحرص مصفحة.
(٦) تنوسخ : انتقل.
(٧) في (ب) : لجميع حالاتك. وفي (ب) : في جميع حالاتك.
(٨) في (ب) و (د) : تعرف غدا. ويبدو أن كلمة (غدا) زائدة. إلا إذا جعلناها بعد قوله : متفقدا. لكن سيبقى قوله : انكشف. بلا سجعة.
(٩) المؤتنف : المستأنف الحديث.