في لجج البحار ، بالقناطير المقنطرة (١) من الأمور الكبار ، لكان الواجب على ذوي العلم بخطرها ، (٢) والمعرفة بقدرها ، التعلق بأغصانها ، والبذل للنفيس من أثمانها. لكنما اشتملت عليها داياتك ، وحبيت عليها مستكنّاتك (٣) حتى تبثها عنك إذاعتها ، وتشيع لك فضيلتها ، بأن تمسك عن الأمر المردي ، وتعرض عن القبيح الذي لا يغني ، (٤) وتملك نفسك فيما ملكت ، من كبار الأمور وصغارها. تم ربع كتاب المكنون بمنّ الله وعونه ، وحسن توفيقه.
[المروءة]
يا بني : ولا تجر عن قصد السداد ، فيما أنت فاعله وتاركه إلى يوم التناد ، وكل ما أوجبته عليك الحقوق ، تأدّيت منه إلى كل عدو وصديق ، فافهم (٥) ، يا بني : ما أصّلت لك من فروع الأدب والحكمة.
ومن زعم أن المروءة لا تصلح إلا بالمال ، فقد أضلّ في المقال ، لأن المروءة قد تنقاد لذوي الإقلال ، وتصاعب على ذوي الأموال.
وللمال موقع من بعض القلوب ، يكاد أن يخرج صاحبه إلى الأمر المعيب ، حتى تذهب مروءته ، وتغلب عليه حلاوته ، فتنهدّ ذروته ، وينطمس كرمه وحريته.
وللمروءة في المال أنصباء ، تتشعب فيه شعبا ، وليست المروءة بمعدومة في أحد إذا جد في طلبها ، وأتاها من بابها ، وليست لها أثمان تباع بها ، إنما هو جميل تقوله ، أو خير تفعله ، أو معروف تبذله ، أو إقصار عن الاكثار إذا لم يكن للكلام موقع ، فهذه خلال
__________________
(١) القناطير : جمع قنطار والقنطار مائة مثقال. والمقنطرة : المتممة.
(٢) خطرها : شرفها.
(٣) داياتك : جمع دأي وهي غراضيف الصدر. في (ب) و (د) : حنيت. وفي (أ) و (ج) : جنيت. وكلاهما مصحفة. والصحيح : حبيت. لأن معاجم اللغة لم تذكر في جنيت أو حبيت معنى يؤدي ما عناه الإمام هنا ، بخلاف حبيت. ومعناه : اتصلت. والسّكنة بكسر الكاف مقدم الرأس من العنق.
(٤) في (أ) : يعني.
(٥) في (ب) و (د) : فافهموا ...... لكم.