ولا جوادا حتى يفيد إذا ازلأمّ الأزب. (١) وإنما يوصف بالنجدة ، من باشر أهل البأس والشدة. وللمحاسن والمحامد بوآد معتمدة ، تطلّع (٢) إليها الأفئدة ، ثم يبذل فيها الغالي من الأثمان ، وتنضا بها العيس إلى (٣) جميع البلدان ، فمن سرّه أن يشهر بالجميل والاحسان ، فليشهد التي منها يتناقلان ، ثم ليظهر منهما ما يسير به في الآفاق خبره ، ويعظم به في الناس خطره ، ثم ليقوّم من نفسه بحسن التعاهد أودها ، (٤) وليأخذ منها لها ما يزين به غدها ، فإن الأخلاق إذا سمحت ، (٥) والعلانية والسريرة إذا صحّت ، كانت غنائم يرتحل إليها المرتحلون ، وأحاديث حسنة ينقلها الناقلون ، وتبجيلا لصاحبها في العالمين ، وغبطة يغتبط بها يوم الدين.
[الخلق والمال]
والواجب في الأخلاق أكثر من الواجب في الأموال ، وأفضل في جميع الأحوال ، وإنما يعظّم ذو المال ما كان موئلا ، فإذا تخرّم ماله عاد دحيرا قليلا!! والأخلاق لا يبلى جديدها ، ولا يطيش سديدها ، وفضل صاحبها باق في حياته ، وبعد وفاته ، والمال ثوب تخلق جدته ، وتسمل سداه ولحمته (٦).
وأحق الأشياء بالصون العرض الصحيح ، والحسب الصريح ، ومن آتاه الله قلبا ذكيا ، وزنادا (٧) وريّا ، وخلقا مرضيا ، وسخاء مذكورا وعقلا زكيا ، وفهما مرضيا ، وعلما بتقلب الأحوال ، وتصرف الأيام والليال ، ولسانا يؤدي إليه معرفة خلف (٨)
__________________
(١) ازلأمّ : انتصب. والأزب : الشدة والقحط. والمعنى : لا يسمى جوادا حتى يعطي عند الشدة.
(٢) أي : تتطلع. وحذفت التاء الأولى للتخفيف.
(٣) تنضا : تسبق وتقطع. والعيس : الإبل. وفي (ب) : في جميع.
(٤) الأود : العوج.
(٥) سمحت : كرمت.
(٦) تخلق : تبلى. والجدة : مصدر الجديد. وتسمل : تخلق وتبلى. والسدى أعلى الثوب ، واللحمة : أسفله.
(٧) الزناد الوري : الذي خرجت ناره ، وكأنه تعبير عن سرعة الفهم.
(٨) الخلف : كل من يجيء بعد من مضى.