بالتفكر فيمن يخيس (١) بعهدك ، فإنك إن عثرت لك قدم ، أو نزل بك ملمّ ، (٢) صرف وجهك عما كنت تشخص إليه منه باليأس ، وأخلفك حسن الظن فيه كما أخلف من كان قبلك من الناس ، فاقطع عنك هذا الطمع الكاذب ، ولا تسلك بين جوانحك الرجاء الخائب ، واقبل ما به حبيت ، (٣) وإليه دعيت ، بالرأي الجازم ، والعزم اللازم ، فإنك خليق عند القبول ، والعمل بما أقول ، أن لا تنقطع مروءتك (٤) حين يصد عنك الخليل إذا أسلمك عند النازل بك ، وأفردك بما يسكن جوى (٥) الأحزان في قلبك.
فتأدب يا بني : بأدب آبائك ، واطرح عنك صفحا من يمزج لك من لسانه العسل ، ليوهمك بغروره (٦) أنك تحل منه في أرفع المحل (٧).
يا بني : إياك والطمأنينة إلى من قد حبيت (٨) على النكث جوانحه ، (٩) وركّبت على الغدر جوارحه ، فكن لأوليائك متهما ، ومنهم متسلما ، وباليأس من (١٠) من وفائهم عالما ، فإذا صار ذلك في صدرك مستحكما ، فانظر ما كنت تطمع به منهم ، فكن أنت على مثله لغيرهم ، تضرب إلى بابك القلائص ، وتشخص (١١) إليك عند النوائب العيون الشواخص ، وتصير كهفا للاجئين ، ومعتمدا للقاصين ، وزينا للأقربين.
إياك يا بني : أن تستن بسنن أهل الاختيال ، أو تعمل بعمل يستقبح من الأعمال ،
__________________
(١) في (ب) و (د) : يختر. وكلاهما بمعنى يغدر.
(٢) في (ب) و (د) : مهم.
(٣) حبيت : خصصت.
(٤) في (أ) و (ب) : مودتك.
(٥) الجوى : الحرقة وشدة الحزن.
(٦) سقط من (ب) : بغروره.
(٧) في جميع المخطوطات : ليوهمك بغروره أنه يحل منك في أرفع المحل. ولعل الصواب ما أثبت ، والله أعلم.
(٨) حبيت : اتصلت.
(٩) الجوانح : الضلوع.
(١٠) في (أ) : وتأس مصحفة.
(١١) القلائص : جمع قلوص وهي : الناقة. وتشخص : ترتفع.