وإن كان ذلك في الناس كثيرا ، وفي غيرك مشهورا ، فإنما يستحق اسم السؤدد ، (١) عند كل أحد ، من قلّ اختياله ، واستحسنت أعماله ، وجاد بالمعروف ، وعطف بالفضل على الضعيف ، وطبع (٢) نفسه بطابع المروءة ، وصانها عن الأخلاق المذمومة ، ومن صح عنده كرمه ، وظهرت على غيره نعمه ، وزال (٣) لمزايلة ما تهواه نفسه ذمّه ، برّز في السبق ، وصار محمودا عند الخلق ، وبان عن سواه ، وتكاملت (٤) أسبابه ، وليس كل عاقل مفضل بعقله ، (٥) حتى يحتمل من عاذله كثرة عذله ، فلا تؤدب العاقل بما يستثقل ، (٦) ولا تحمّله ما لا يحتمل ، فإن مداوي الجرحى ، قد يحميهم ما لا يحمي منه الأصحاء. وليس بطبيب ولا برفيق ، من أمر (٧) من الدواء بما ليس له المأمور بالمطيق. ومن ادعى المعرفة بالتفرّس قبل الامتحان ، فقد سبح في الغمر (٨) الذي ليس له به يدان (٩).
[أصناف الناس]
يا بني : الناس رجلان ، فرجل ذو عين باكية ، على ممر أيامه الخالية ، متأسّن على أخدان له سلفوا ، وآلاف (١٠) له انقرضوا ، يشرق (١١) بغصته ، ويأخذه الشجا (١٢) في
__________________
(١) السؤدد : الشرف.
(٢) في (ب) : ويطبع نفسه بطابع.
(٣) في جميع المخطوطات : وطال لمزايلة ، ولعل الصواب ما أثبت.
(٤) في (ب) : ما تكاملت : تصحيف. ولعل في العبارة سقطا.
(٥) في (ب) : بفعله.
(٦) في (ب) : يستقبل. تصحيف.
(٧) في (ب) : أمر من بالدواء.
(٨) الغمر : الكثير.
(٩) يدان : قوة.
(١٠) آلاف : جمع إلف ، من الألفة.
(١١) يشرق : يغص.
(١٢) الشجا : ما اعترض في الحلق من عظم وغيره.