والنهار سجلات مطوية ، تؤدي ما استودعت بصدق الرّويّة ، (١) فضمّنها الجميل تؤدّ عنك باقيا ، كنت أو فانيا ، كحسب ما أدت من الودائع ، في الليالي الخوالع ، (٢) من مكارم الكرام ، ومثالب اللئام ، ثم لم ينطمس ذلك مع الرسوم (٣) الطوامس باقيا ما بقيت الدهارير ، (٤) حتى تحيط بالعالمين ملمات المقادير.
وكل من لم يسمك (٥) على ما بنت له الجدود ، بناء يعلو له فيه التشييد ، فالمحامد منه بعيد ، وركن الشرف الذي اعتمد عليه مهدود ، لأن الساكن في غير ما يحوي فهو (٦) منه خارج ، يا بني : ومن لم يشرّفه فعاله فليس في شرف سلفه بوالج ، (٧) إذا لم يزيّن الشرف التليد ، (٨) بالفعال الحميد!! لأن السلف الماضين ، إنما شرفوا في الخلف الباقين ، بالمكارم المعدودة ، والخلائق المحمودة.
[رقابة الناس]
يا بني ومن أسّس له أوّلوه أركانا ، ثم لم يعل عليها بنيانا ، فهو بمعزل مما أسسوا ، خلو عن رباب (٩) ما اغترسوا!! ومن أحيا بعز أيامه أيام الآباء والأجداد ، فاش ذكره كما فاش(١٠) ذكرهم في العباد والبلاد ، فلا تكذب نفسك الخبر ، فإنه سيمحض منك
__________________
(١) الروية : التفكر في الأمر.
(٢) الخوالع : الذاهبة المنقضية. وفي (ب) : الجوامع.
(٣) الرسوم : الآثار.
(٤) الدهارير : تصاريف الدهر أو نوائبه. مشتق من لفظ الدهر ليس له واحد من لفظه.
(٥) يسم : يرفع.
(٦) سقط من (ب) و (د) : هو.
(٧) بوالج : بداخل.
(٨) التليد : المال القديم الأصلي. والمراد هنا الشرف القديم المكتسب من الأجداد.
(٩) الخلو : الفارغ. وفي (ب) : عن أرباب ما أسسوا. والرّباب : دبس كل ثمرة ، أي عصارتها ، بعد الاعتصار أو الطبخ.
(١٠) فاش : انتشر.