[التأمل]
يا بني : وأكثر التأمل فيما يشخص إليه طرفك ، وتمنّاه (١) نفسك ، مما أوتيه من هو أجلّ منك قدرا ، وأكثر منك يسرا ، إلى ما تؤول إليه العواقب ، وما ذا تديره عليه النوائب ، فربما كان ذو الاقلال ، أنعم بالا وأحسن حالا من صاحب الأموال ، ومن سقته الدنيا من صفو لذاتها (٢) كأسا ملأ ، جرّعته من كريه مرارتها ما يعود عليه وبالا ، لأن صفوها ممزوج بالكدر ، وأملها متنكد بالغير ، وعلى كل رائق (٣) منها للناظرين ، رقباء غير غافلين ، يستلبون المهج ، ويدرسون بهجة المنهج ، (٤) مع كثرة الإعراض ، وسرعة الإنعاض ، وتضييق الغلاصم ، (٥) بخفي العظائم ، والحفظ بعيد عمن غلظ طبعه ، وضاق خلقه.
واعلم يا بني : أن العاقبة ، نعمة كاملة ، وإن أعطي الانسان (٦) من دهره المنى ، وأتحف منه بالرضى. ومن كثرت دعته ، (٧) وحسن خلقه ومروءته ، فقد استكمل الفضل ، وحاز بفوزه الخصل (٨).
يا بني : ولو شري الخلق الحسن بجميع الدنيا لكان رخيصا ، وكان شاريه وإن بقي فقيرا بالظفر مخصوصا.
[حوادث الأيام]
واعلم يا بني : أن الأيام نبل مسمومة ، والخلق أهداف مرمية ، والزمان لهم مرشق يرميهم في كل يوم بنافرة ، وتدور على الكواهل بأدمع دائرة ، حتى يدع اللحم عريضنا ،
__________________
(١) أي : تتمناه. حذفت التاء تخفيفا.
(٢) في (ب) و (د) : لذاتها. واللذة واللذاذة بمعنى واحد. أي : الأكل والشرب بنعمة وكفاية.
(٣) الرائق : الجميل.
(٤) المهج : دم القلب ، والروح ، وخالص كل شيء. ويدرسون : يطمسون. والمنهج : الطريق والسبيل.
(٥) الإنعاض : الحركة والاضطراب. والغلاصم : جمع غلصمة ، وهي : رأس الحلقوم.
(٦) سقط من (ب) و (د) : الانسان.
(٧) دعته : وقاره وسكونه.
(٨) في (أ) و (ج) : بفوره. والخصل : الغلب ، والسبق.