واتقى ، فمتى ما تكونوا مع أولئك ، تنجوا بإذن الله من المهالك ، ويكن (١) الله جل ثناؤه معكم كما قال لقوم يسمعون : (إِنَّ اللهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ) (١٢٨) [النحل : ١٢٨].
[التفكير]
واعلموا وليكم الله أن من أبواب التقوى ومفاتحها ، وأقوى ما تقوّى به من رشد بإذن الله على قبول نصائحها ، حسن الفكر في الدنيا وفنائها ، وتقلّب سرّائها وضرائها ، وفي حال جميع من فيها من ملوك الأمم خاصة ، ومن دونهم من الخلق جميعا عامة ، فإنكم رحمكم الله إن تفكرتم ـ فتروا ، بعين الفكر وتبصروا ـ تعلموا أنهم جميعا منها وإن اختلفت أحوالهم في السراء والضراء ، في مضامير بأقدار أحوالهم فيها من السعادة والشقاء.
وقد ينبغي لمن سلك سبيل مرضات الله وآثرها ، وعظّمها بما عظمها الله به من رضوانه فوقّرها ، أن يتحفظ من نفسه فيها ، ويجمع كل أشغاله ولا قوة إلا بالله إليها ، فإنه لو تفرغ لخدمة بعض ملوك الدنيا ، لحقّ عليه الاجتهاد في بلوغ الغاية القصوى ، فكيف بمالك الملوك إذا برز لعبادته ، ونابذ في الله عدوه من الجن والإنس بمحاربته ، فليتحرّز ـ من سلك سبيل ولاية الله ومرضاته ، ومن يريد القيام بما أوجب الله عليه من فرض حقه وطاعته ـ من السقط والخلل ، وليستيقظ من الغفلة والزلل ، وليتيقظ وليعرف قدر ما يعرض لأهل ذلك من البلوى والفتنة ، وما ينصب له (٢) وفيه من المباينة ، وعلم بلواها وفتنها فيجوز (٣) في مواطن العزم والشدة ، ولا يصبر عند نزول البلوى المؤكدة ، فإن ذلك ، إذا كان منه كذلك ، فليس له به حول ، ولا لمن صار إليه إلى الله به وصول ، وإنما وصفت لكم هذا فيها ، (٤) لكيلا يقدم مقدم عليها ، إلا بعد
__________________
(١) في (ب) و (د) : ويكون.
(٢) في المخطوطات : من الفتن والبلوى. وما أثبت اجتهاد. وفي (ب) : له به فيه.
(٣) ولعلها : يخور. والله أعلم.
(٤) في (ب) و (د) : منها.