أبصروا ، وفوّضوا أموركم في ذلك كلها إلى الله ، واعتصموا في ذلك كله بالله ، فلا تدعوا فيه يقظة الجدّ والاجتهاد ، بعد التوكل على الله ربكم فيه والاعتماد ، وابذلوا لله فيه كل جهد ، وأخلصوا له منكم في كل قصد ، فإنكم إن تفعلوا ـ ذلك له ، (١) وتقصدوا فيه ما يجب فعله ـ تولاكم الله فيه فعصمكم ، وكفاكم به مهمكم ، ولا تحدثوا أنفسكم بعد أن يمن الله عليكم بهذه النعمة ، وبعد الدخول منكم في هذه السبيل المكرمة ، بالخروج ما بقيتم منها ، ولا بالإعراض أبدا ما حييتم عنها ، ولكن وطّنوا نفوسكم على احتمال صعاب الأمور فيها ، ولا تخافوا ـ ولا قوة إلا بالله ـ تخويف من خوّفكم عليها.
واعلموا أنه لن يكون أحد في فعله خلصانيا (٢) ، ولا فيما تتوق إليه نفسه من ولاية الله وليا ، إلا بعزمه على طاعة الله وإقدامه ، ومحافظته على ما حكم الله به عليه من أحكامه ، فاعزموا على التقوى عزم من يوقن بفضلها ، تكونوا بإذن الله من أوليائها وأهلها ، واصرفوا قلوبكم إلى تقوى الله ، تكونوا من السابقين بالتقوى إلى الله ، فقد نبهكم الله لها وأيقظكم ، وأمركم بما تعملون منها فوعظكم.
[الموت]
والموت رحمكم الله فقد أبان النداء ، وداعيه فغير مفتر في الدعاء ، يختطف ـ ملحّا دائبا ـ النفوس ، ويميت الكبير والصغير المنفوس ، لا يغفل غافلا وإن غفل ، ولا يؤخر مؤملا لما أمّل ، بل يكذب الآمال ، ويقطع الآجال ، ويفرق بين الأجساد والأرواح ، وفي (٣) أي مساء يأتي أو صباح ، بل في كل حالة وساعة ، فكم من بلية أو منيّة فجّاعة ، تمنع من روح الأنفاس ، وتقطع إلف الإناس ، (٤) قد رأيناها عيانا ، وعلمناها إيقانا.
__________________
(١) في (ب) و (د) : ذلك كله له.
(٢) الخلصاني : خالص المودة. أنظر لسان العرب.
(٣) في (ب) و (ج) : ففي.
(٤) من الأنس. ولعلها الإيناس.