يقرأ كل (١) ما أمر الله به ، فإنه لا غنم لمن جعل ما هو فيه من صيامه ، ليس إلا تركه لما ترك من طعامه ، ولا من جعل قراءته بالتلاوة شغلا ، ومن فهمه لما فيه عن الله بدلا.
وصحبوا الراسخين في العلم ، فإن فيهم عصمة لمعتصم ، واقتفوا وفقكم الله صلاح آثارهم ، وانفوا الوحشة عنكم (٢) بصحبتهم واختيارهم.
ومن سلك هذه السبيل المكرمة الخالصة ، فعارضه فيها من الوساوس المغوية ، ما يوعر عليه سبيلا ، أو يدخل قلبه من فترة دخيلا ، فليذكر أنه في مسلك سبيل أولياء الله الذين اصطفى ، (٣) وأنهم باحتمال ما هم فيه من المئونة استحقوا عند الله المنزلة والزلفى ، وبها وصلوا إلى ثواب الله الأكرم ، ومحل أوليائه الأعظم.
[مثل طالب الدنيا وطالب الآخرة]
ثم ليقس نفسه فيه ، وفيما يرجو من جزاء الله عليه ، بمن يغوص في لجّ البحر ، لابتغاء الدر ، وهو يوغل في حفر (٤) المعادن لابتغاء الذهب ، ويسير له في آفاق الأرض بجهد الطلب ، وينصب نفسه لمقاساة الملك الزائل ، ويقاتل عليه وفيه كل بطل منازل. ومن يطلب ما لا يفنى ويزول ، ولا يغيّره مغيّر من البلاء فيحول ، من الملك الباقي السرمدي ، والنيل الدائم الأبدي ، أيهما أولى بالصبر على التعب ، والاجتهاد بصدق الطلب ، فقد يعلم أنه لا أحد أخسر في صفقته ، ولا أفحش في الحمق من حمقته ، (٥) ممن اعتاض زائلا بمقيم ، وبؤسا ـ إن كان عاجلا ـ بنعيم ، فأشعروا انفسكم هذا وذكره ، يسهل عليكم ما وعّرت الوساوس أمره.
وإن عرض لكم سوء تفكير ، وشنع عليكم حالا من حال الخير ، يشغل بوسواسه
__________________
(١) في (ب) و (د) : ويتفهم في كل ما يقرؤه.
(٢) سقط من (ب) و (د) : عنكم.
(٣) في (ب) و (د) : اصطفاهم.
(٤) في (ب) و (د) : خفي.
(٥) سقط من (ب) سهوا : ولا أفحش في الحمق من حمقته.