ضمائر قلوبكم ، فميزوا بين ذلك وبين ما عرض بصحيح عقولكم ، ولا ترضوا من أنفسكم فيه بغير صحيح أموركم ، فإن أخون الناس لنفسه ، وأجهلهم بيومه وأمسه ، من رضي بتشبيه العلانية ، وأنكر صدق السريرة الباطنة.
واعلموا أنكم إن رضيتم ، أو خضعتم في ذلك وأغضيتم ، فتنكم فيه عدوكم ، وسبى بغروره فيه عقولكم ، فاعتصموا بالله عن سبياته ، واستدفعوه لا شريك له لبلياته ، فإنه عزوجل غاية الاعتصام ، واقصدوا قصد ما برزتم له بالتمام ، فإن كل من نكل (١) عن بغيته ، بعد أن أنصب نفسه في طلبته ، أسوأ في ذلك حالا ، ممن لم ينصب فيها اشتغالا.
واذكروا ما وعدتم من النعيم الدائم المقيم ، وما أوجب الله لمن لم يجب دعاءه من العذاب الهائل الأليم ، ثم (٢) اسألوا الله فيما اعتصمتم به بنفي غمكم ، واكتفوا بمعونة الله فيه يقلّ همكم.
[التوبة]
ومن عثر في هذه السبيل بعد سلوكه لها فلا يقطع من الله رجاه ، ولا ييأس مما أعد الله لكل من أخطأ خطاه ، من رحمته التي وهب منها أفضل الموهبة ، وجعلها للخاطئين عند الخطيئة في قبول التوبة ، فإن الله تبارك وتعالى لم يقم للتائبين منهاجا ، ولم يجعل لكل نفس تائبة إليه من العقوبة إخراجا ، إلا لما أحب من بسط (٣) العفو والمغفرة ، وتعريف مكان حلمه بالعفو بعد المقدرة ، فإن أنتم زللتم عن طاعته ، فلا تزولوا (٤) عن طلب عفوه ومغفرته ، فإنه يبلغكم بسعيكم في طلب عفوه ، منازل (٥) الساعين في طلب ثوابه ، وكما أن الله تفضّل من ثوابه بأكثر من عمل العاملين ، فكذلك تفضل بالعفو
__________________
(١) أي : رجع.
(٢) في (ب) و (ج) و (د) : واسألوا.
(٣) في (ب) و (د) : لمن. وفي (ب) : يسقط (مصحفة).
(٤) في (ب) : ترون (مصحفة).
(٥) في (أ) و (ج) : منال : (ولعلها مصفحة).