وصدّقها المحكم من التنزيل ، وشهدت لها قرائن العقول. وهي على ثلاثة وجوه : قول وعمل واعتقاد ، وسبيلها واضح ، وطالبها رابح ، قد بهر (١) دليلها ، وشهد لها بالصدق من ذوي العلم عقولها ، فقد كفونا مئونة الطلب بهذا الاحتجاج ، وقطعوا عنا علائق الاعوجاج ، حتى ما بقي في ذلك شك ولا اختلاج. فقصدت (٢) عند ذلك بينة صحيحة حتى عرفت (٣) الأصل والفرع ، وبحثت بغائص عقلي (٤) ، فوجدت ذلك واضحا مبيّنا ، وفي كتبهم مشروحا معيّنا ، كلاما مبرهنا ، قد حملوا صلوات الله عليهم عبء ذلك وثقله ، وأوضحوا فرع ذلك وأصله ، حافظين فيه الأمانة ، مجتنبين الغش والخيانة ، قد شيدوا بنيانه ، وعظموا سلطانه ، وأثبتوا في العقول برهانه ، فليس لأحد من بعدهم مطلب ، ولا لمسترشد من دونهم مذهب ، ولا عاقل في غير مذهبهم يرغب.
[الدنيا]
قال العالم : فكيف عرفت (٥) دنياك؟
قال الوافد : عرفت (٦) فناها وتقلّبها ، وغدرها وخدائعها فحذرتها (٧) ، ونظرت وميزت ، فإذا الدنيا تغر طالبها ، وتقتل صاحبها ، تفرق ما جمع ، وتغير ما صنع ، فعرفت أنها تفعل بي مثل ما فعلت بالأولين.
__________________
ـ ثلاثة وجوه واعتقادها وسبيلها.
(١) في (ج) : تميز.
(٢) في (ج) : ميل ولا. وفي (أ) و (ب) : فقصدت رغبة بذلك بنية. تصحيف.
(٣) في (ج) : عرف.
(٤) في (أ) : وتجلت بغائص. وفي (ب) : وبحثت بغامض. وسقطت الجملة من (ج) : وما أثبت تلفيق من (أ) و (ب).
(٥) في (أ) و (ج) : تعرف.
(٦) في (ج) : أعرف.
(٧) في (ج) : في غرورها وخدعها وخزيتها. مصحفة.