قال الوافد : ينبغي لمن وعد بهذين الدارين أن ينظر إليهما ، ويتصور ما وعد الله فيهما لأهلهما ، ثم ينظر إلى الجنة وقصورها ، وما وصف الله فيها من النعيم المقيم ، والفواكه والأزواج من الحور الحسان ، والأكاليل والتيجان ، والأنهار الجارية ، والأثمار الدانية ، والسرر المصفوفة ، والزرابي المبثوثة ، وأسبابها ولباسها ، وفراشها وحجراتها ، وطعامها وشرابها ، ونعيمها ودوام ذلك فيها ، فيخاف أن لا يكون من أهلها ، فهنالك تتتابع زفراته ، وتكثر حسراته ، وتفيض عبراته ، ويطيع ربه ويعصي هواه ، ويترك دنياه ، ويطلب آخرته ، ويعلم يقينا أن إلى الله مصيره (١).
[معارف الحكماء]
قال : فلما انتهى الكلام منهما إلى هذا الحد ، وعلم العالم أنه ذو فطنة ونباهة ونبالة ، ونظر وتمييز ، ورغبة (٢) في طلب العلم (٣) سأله لينظر معرفته.
قال العالم : من أين؟
قال الوافد : من فوق الأرض ومن تحت السماء.
قال العالم : كم لك؟
قال : كذا وكذا سنة.
قال له العالم : ما ترى؟
قال : أرى أرضا وسماء ، وما بينهما.
قال : فما ترى في السماء؟
قال : أرى شمسا تحرق ، وقمرا يشرق ، ونجوما تزهر ، وماء يمطر (٤) ، ورياحا تذري ،
__________________
(١) في (ج) : المصير.
(٢) سقط من (أ) و (ب) : ورغبة. وفي (ج) : ورغب. ولعلها مصحفة ، وما أثبت اجتهاد.
(٣) في (ج) : طلب مسألته.
(٤) في (ج) : ونجوما تظهر ، وماء يهبط.