حريصا راغبا ، (١) مكبا على الدنيا ، وهو يزعم أنه مأجور على ذلك ، قد (٢) ارتفع بعمله فوق الخلائق من عجبه به ، (٣) وربما تراه يتكلم بكلام الخائفين ، حتى إذا جربته وحدثته (٤) وجدته جاهلا غافلا ، فلا يرضى من الخوف بأن يذم نفسه ، وربما يعتبر ويتفكر ولا ينفعه ذلك ، لأن ذلك لا ينفعه مع غفلته ، ولعله يظن أنه من التوابين منذ دهر طويل ، ولعل عنده من الروايات والأخبار ما ليس عند أحد من الناس ، ثم ليس هو يعرف من عمله إلا الشبهة والكدرة ، والزيادة والنقصان ، (٥) ولا يميز بين شيء من ذلك ، فإنه لو جمع فهمه ونظر إلى نفسه ، لعرف خطاياه ، ثم لو نظر في مطعمه وملبسه وكسبه وحرصه على دنياه لعرف سوء حاله ، ولو حفظ على نفسه سعي بدنه وجوارحه ، وكثرة ما يخرج من لسانه ، لتبيّن له ما يرد عليه في يوم واحد ، ولعلم جراحة دينه ، ثم لو كان صادقا في توكله وانقطاعه إلى ربه ، لترك دنياه وعمل لآخرته ، ولكان حريصا على طلب الخير ، والحذر على نفسه من سوء الحساب وكثرة الأهوال (٦).
[المتوكل]
قال الوافد : صف لي المتوكل الواثق بربه؟
قال العالم : عجبا لمن يثق بالمخلوق ولا يثق بالخالق ، ومن (٧) يهتم بالرزق وقد
__________________
(١) في (ب) : متواضع للناس. وفي (أ) : وأنت تراه حريصا مكبا.
(٢) في (ب) : وقد.
(٣) سقط من (ب) : به.
(٤) سقط من (أ) : وحدثته.
(٥) في (ب) : والنقصان ، ولا المضرة ولا المنفعة. لعلها زائدة.
(٦) في (أ) : حتى إذا جربته وجدته لا يعتبر ولا يفكر ولا يخاف ولا يحذر ، يدخل في عمله الشبهة والكذب والزيادة والنقصان ، ولا يميز بين ذلك ، ولا يعرف خطاياه ، ولو عرف غفلته وزلله في دنياه ، لكان حريصا على طلب الخير والنجاة ، ويحذر على نفسه سوء الحساب وكثرة الأهوال ، ولو كان صادقا في توكله وانقطاعه إلى ربه لعمل للآخرة وترك الدنيا.
(٧) في (أ) : وهو.