[موعظة]
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله ، وعلى محمد وعلى أهله أفضل الصلاة والتسليم.
وبعد : يا أخيّ فأعاذني الله وإياك من مهلك غفلة الغافلين ، وسلمني [وإياك] بمنّه ورحمته من مضل جهالة الجاهلين ، الذي حسبوا وظنوا ـ إذ تاهوا وتمنوا ـ قصير آجالهم طويلا ، فأفنوا أيام حياتهم بالغفلى منى وتأميلا ، حتى عاينوا نازل الموت ، بكل حسرة وفوت ، فأيقنوا عند نزوله بباطل المنى ، إذا ذاقوا الموت والفناء ، وعلموا أن قد كان قصيرا ما استطالوا من حالهم ، وغرورا وخداعة ما كانوا فيه من مناهم وآمالهم.
يا أخيّ : واعلم أن الأجل حثيث الفناء ، ليس لأحد معه ـ والله المستعان ـ من بقاء ، لا يقف والحمد لله من أهله على من استوقفه ، ولا يغفل لمحاذرة سرعة انقطاعه من عرفه ، وكيف يغفله عارف به ، أو موقن بمعاده إلى ربه؟! مع ما يرى من مرّه وحثه ، وقلة تعريجه ولبثه ، فهو دائب الحث ، غير ذي إبطاء ولا لبث ، يقطع منه ساعاته الليالي والأيام ، ويقطع أيامه ولياليه منه الشهور التّوام ، وكذلك جعل الله شهوره ، تقطع بمرها سنيه ودهوره ، فدهره قصير ، وعمره يسير ، لا يطرف أحد من أهله طرفا ، إلا اقترب من فناء مدته زلفا ، فأنفاسه ولحظاته تطويه ، وساعاته وأوقاته تفنيه ، يقظان كان أو نائما ، ومقيما كان أو ظاعنا ، تحثه جدا ، وتدعوه بنداء ، ساعات نهاره وليله ، بل أنفاس عمره وتأجيله ، فهو ظاعن سائر ، وإن كان به غير شاعر ، (١) وكأن قد أفضت أسفاره ، فيما يسير به ليله ونهاره ، فورد محلة مثواه ومقامه ، وفنيت مدة أجله وأيامه ، فأقام فيه مخلدا ، وبقي بعد سرمدا ، في حبرة ونعيم ، أو عذاب أليم ، وقد قر في أيهما صار إليه قراره ، وانقطعت فيه عنه ظنونه واغتراره ، لا يزداد من أعماله في حسنة زكية ، ولا يستعتب في حسنة ولا خطية ، قد لزمته سعادته وشقاؤه ، ودام في أيهما كان خلده وبقاؤه.
فوا عجبا لمن كان بهذا موقنا!! بل لمن ظنه وإن لم يوقن به ظنا!! كيف لعب
__________________
(١) في المخطوطة : به لا يشعر. وما أثبت اجتهاد.