مؤمنين؟! وبيوم البعث موقنين؟! فما لنا يا سبحان الله من أمر الله معرضين؟! ولانتقام الله بالخلاف عليه في أمره متعرضين؟ من بعد الإيمان واليقين ، والعلم بشرائع الدين.
فرحم الله من عباده عبدا ، أيقن أن له إلى الله معادا ، فجد وشمر في طلب نجاته ، قبل نزول الموت ومفاجأته ، فكم رأينا من مفاجأ مبغوت ، بما لم يتوقعه من وفاة وموت ، أخذ في غمرته ، وعلى حين غرته ، فتبرأ منه قبيله وأحباؤه ، وأسلمه للموت أهله وأقرباؤه ، فلم ينصره أهل ولا عشير ، ولم يكن له منهم نصير ، بكاه من بكاه منهم قليلا ، ثم هجره وجفاه طويلا ، فكأنّ ـ لم يره قط ـ حيا ، ولم يكن له في حياته صفيا!
فأبصر يا أخيّ وبادر ، واعتبر بما ترى وحاذر ، فرب مبصر لا يبصر ، ومعتبر بما ترى لا يعتبر ، يستر بالأشجان والأحزان ، ويغر بالرجاء والأماني ، وهو دائب في قطع عمره وأجله ، مغتر بمناه ورجاه وأمله ، لا يتنفس نفسا ، ولا يطرف طرفا ، إلا قطع به من أجله ناحية وطرفا ، لا يغفل عنه وإن غفل ، ولا يؤخر لما رجاء وأمّل ، قد جد به المسير ، واختدعه الأمل والتسويف والتأخير ، فأمله خدعة وغرور ، وأجله متعة وبور.
يا أخيّ فالعجل العجل ، فقد ترى المسير إلى الموت والترحل ، لا يقلع زاحله وسائره ، ولا يريع (١) على أوائله أواخره ، يلحق المتأخر بالسائر الأول ، والمقيم من أهله بالظاعن الراحل ، لا يخلّف من العباد جميعا متخلفا ، بل يختطف نفوسهم خطفا ، يأخذ الصغير أخذه للكبير ، ويلحق بعضهم بعضا في الموت والمصير. فنسأل الله أن يبارك لنا في حلوله وموافاته ، وأن يجعلنا ممن أسعده في يوم مماته ، ونستغفر الله خير الغافرين ، ونضرع إليه في عصمتنا من هلكات الجائرين ، وصلى الله على سيدنا محمد وآله وسلم تسليما.
[موعظة]
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله حمدا دائما مقيما ، وصلى الله على محمد وأهله وسلم تسليما ، نستهدي
__________________
(١) يريع : يعود ويرجع.