طرفة عين ، ومحكوم عليه فيها بالقطع فيما شرعه الله من أحكام الدين ، وكيف يجوز أن يصلي على سرقة؟! أو في سرقة من سرقاته ، أو يتوضأ بما قد سرقه ، فيكون بما كان من وضوءه من ذلك ، عند الله في أهلك المهالك ، قد أحبط الله به عمله وأجره ، وأبطل بما ركب من ذلك طهره ، فلا وضوء ولا طهارة له ، وكيف يكون طاهرا أو متطهرا وقد أبطل عمله ، بما فارق فيه من التقوى ، وركب فيه بما (١) ركب من كبائر الأسواء ، ولا يقبل الله إلا من المتقين ، ولا يصلح الله عمل المفسدين ، فعمله غواء فاسد ، وهو عن التقوى عاند.
وكيف يصلح الله وضوءه وطهره ، وقد أحبطه الله ودمّره؟! وكيف يطيب ذلك أو يطهر به ، وقد أبطل الله سعيه وعمله ، فلم يتقبله جل ثناؤه عنه ، ولم يصلح له ما عمل منه.
وكذلك ، ومن ذلك ، كل أرض مسجد أو مكان ما كان أخذ من أهله غصبا ، أو مسجد بني بمال سرق أو غلب عليه أهله من المؤمنين أو الذميين غلبا ، فلا يحل لأحد أن يأتيه ، ولا يسع مؤمنا أن يصلي فيه ، لأنه اتّخذ بكفر في دين الله ومعصية ، وأسس بأسباب لله سبحانه غير مرضية.
ألا تسمع لقول الله سبحانه ، ما أنور بيانه : (الَّذِينَ اتَّخَذُوا مَسْجِداً ضِراراً وَكُفْراً وَتَفْرِيقاً بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ وَإِرْصاداً لِمَنْ حارَبَ اللهَ وَرَسُولَهُ مِنْ قَبْلُ وَلَيَحْلِفُنَّ إِنْ أَرَدْنا إِلَّا الْحُسْنى وَاللهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكاذِبُونَ (١٠٧) لا تَقُمْ فِيهِ أَبَداً لَمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوى مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ أَحَقُّ أَنْ تَقُومَ فِيهِ فِيهِ رِجالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا وَاللهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ) (١٠٨) [التوبة : ١٠٧ ـ ١٠٨]. فنهاه صلى الله عليه إذ بني لمعصية وبمعصية عن أن يقوم فيه أبدا ، وجعل تركه للقيام فيه وإن كان مسجدا من المساجد طاعة وهدى ، وكيف تجوز فيه صلاة ، أو يكون له طهر أو زكاة؟! ولم يأذن الله سبحانه في بنائه لمن بناه قط ، بل بناؤه له معصية لله كبيرة وسخط ، ودخوله على من بناه محرّم لا يحل ، فكيف تحل فيه صلاة أو تقبل.
__________________
(١) هكذا في المخطوط. ولعلها : ما.