بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله الذي خلق فسوى ، وسدد (١) لأمره كله فقوّى ، ولم يكلف من فرائض أمره أحدا من خلقه عسيرا ، ونوّر ما فرض من ذلك كله على عباده تنويرا ، ولم يلبس من ذلك كله عليهم شيئا فيخفى ، رأفة منه تبارك وتعالى ولطفا ، وتسهيلا لسبل طرقه ، وتخفيفا منه على خلقه.
[أول الواجبات العقلية]
وكان أول ما كلفهم به من فرائضه توحيده بالربوبية ، وإخلاصه تبارك وتعالى بالوحدانية ، فأبان لهم ما فرض من إخلاصه بالوحدانية عليهم ، وما حكم به من توحيده بالربوبية فيهم ، بدلائل جمة لا تحصى ، وشواهد كثيرة لا تستقصى ، من سمائه وأرضه وما بينهما ، ومن أنفسهم التي هي أقرب إليهم منهما ، تحقيقا في ذلك لتكليفه ، وتقريبا فيه لسبيل تعريفه ، فقال رحمة منه للعالمين ، (وَفِي الْأَرْضِ آياتٌ لِلْمُوقِنِينَ (٢٠) وَفِي أَنْفُسِكُمْ أَفَلا تُبْصِرُونَ (٢١) وَفِي السَّماءِ رِزْقُكُمْ وَما تُوعَدُونَ (٢٢) فَوَ رَبِّ السَّماءِ وَالْأَرْضِ إِنَّهُ لَحَقٌّ مِثْلَ ما أَنَّكُمْ تَنْطِقُونَ) (٢٣) [الذاريات : ٢٠ ـ ٢٣] ، وقال سبحانه : (إِنَّ فِي اخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهارِ وَما خَلَقَ اللهُ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَتَّقُونَ) (٦) [يونس : ٦] ، والآيات فهن الشواهد والدلالات ، ثم لم يتركهم مع ذلك كله من إرساله رسله فيهم بالرسالات ، رأفة منه بهم ورحمة ، وإحسانا منه إليهم ونعمة ، بعد أن أخبرهم سبحانه أن بيان ما كلفهم في ذلك من حقه ، مثل بيان ما بيّن لأحدهم (٢) إذا نطق من نطقه ، كل ذلك إعذارا منه بالبيان المنير إليهم ، واحتجاجا منه لخلقه بالبرهان المبين عليهم ، (لِيَهْلِكَ) ـ كما قال سبحانه ـ (مَنْ هَلَكَ عَنْ بَيِّنَةٍ وَيَحْيى مَنْ حَيَّ عَنْ بَيِّنَةٍ وَإِنَّ اللهَ لَسَمِيعٌ عَلِيمٌ) (٤٢) [الأنفال : ٤٢]. فتبارك رب العالمين.
__________________
(١) في (ب) : وشدد.
(٢) في (ب) : لهم.