[التدبر في القرآن]
واعلموا يا بني علّمكم الله الكتاب والحكمة ، ونفى عنكم ـ بما يعلمكم منها ـ العمى والظلمة ، أن أول علم الكتاب وتعليمه ، العلم بقدره عند الله وعظمه (١) وإن كان من لم يعلم قدره وغرضه ، أعرض عنه وهجره ورفضه ، فقلّ به هداه واتباعه ، ولم ينفعه مع الجهل استماعه ، بل خسر به ورجس ، كما قال من جل وتقدس : (وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ ما هُوَ شِفاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ وَلا يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إِلَّا خَساراً) (٨٢) [الإسراء : ٨٢]. فجعله كما تسمعون للمؤمنين شفاء ورحمة ، وللظالمين عمى وخسارا ونقمة ، كما قال تعالى : (وَهُوَ عَلَيْهِمْ عَمًى) [فصلت : ٤٤].
وفيما زيدوا به من الرجس ، مع ما فيه من الحكمة والقدس ، ما يقول الله سبحانه : (وَإِذا ما أُنْزِلَتْ سُورَةٌ فَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ أَيُّكُمْ زادَتْهُ هذِهِ إِيماناً ...) [التوبة : ١٢٤]. قال الله سبحانه : (فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَزادَتْهُمْ إِيماناً وَهُمْ يَسْتَبْشِرُونَ (١٢٤) وَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزادَتْهُمْ رِجْساً إِلَى رِجْسِهِمْ وَماتُوا وَهُمْ كافِرُونَ) (١٢٥) [التوبة : ١٢٤ ـ ١٢٥].
ففرض كتاب الله يا بني وقصده ، فهو هداية الله به ورشده ، والرشد من الله والهدى ، فهو الفوز بالخير والنجاة من الردى ، ومن ظفر برشده وهداه ، فقد أصلح الله دينه ودنياه.
وليس يا بني بعد فوت الدين والدنيا ، حياة لأحد من الخلق ولا بقيا ، فليكن أول ما تخطرون في الكتاب ببالكم ، وترمون إليه فيه ـ إن شاء الله ـ بأوهامكم ، ما ذكرت من غرضه ووصفت ، ووقّفت عليه من قصده وعرّفت ، فمن لم يعرف غرض ما يريد وقصده ، لم يبذل في الطلب له جهده ، ولم يعلم منه أبدا ، (٢) هداية ولا رشدا ، فخرج من علمه كله صفرا ، (٣) ولم يصب بشيء منه ظفرا ، وكان كمن سلك طريقا لا يعرف
__________________
(١) في المخطوطتين : وعظمته. ولعل الصواب ما أثبت.
(٢) في (أ) : آية. مصحفة.
(٣) صفرا : خاليا. يقال : رجع فلان صفر اليدين. أي : خالي اليدين.