وبصيرة وغير حيرة ولا ضلال ، وفيه إذا كان ما أخرج أهله من الجهل بالهدى ومن الضلال.
وهذا رحمك الله فوجه من الهدى ، لا ينكره ولا يجهله من أبصر واهتدى ، وما كان لهذه الآية مشابها ونظيرا ، فكفى بهذا الجواب فيه حجة وبرهانا منيرا.
١١٤ ـ وسألته : عن يونس صلى الله عليه ، وقول الله سبحانه فيه : (وَذَا النُّونِ إِذْ ذَهَبَ مُغاضِباً فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ) [الأنبياء : ٨٧]؟
اعلم رحمك الله أن قوله : (فَظَنَ) أنه ، ليس يخبر عن يونس بظن ظنّه ، لأنه لو كان كذلك منه ، لزال اسم الإيمان عنه ، ولا يزول اسم الإيمان في حال ، عن من خصه الله بالإرسال ، وفي ذلك لو كان تجهيل للمرسل ، فيمن يصطفي ويختص من الرسل ، ولكن (فَظَنَ) قول (١) من الله في يونس قاله ، يبين للسامعين زلة يونس وإغفاله ، يقول سبحانه فظن يونس أن لن نقدر عليه ، في إباقته من الفلك إلى من أبق إليه ، فهو ليس يظن ، ولكنه مقر موقن ، بقدرتنا عليه ، ونفاذ أمرنا فيه ، فما (٢) أبق إلى الفلك فارا هاربا ، وذهب مع يقينه بقدرتنا عليه مغاضبا ، إلا لإغفاله وزلته ، التي نجاه الله منها بتوبته ، فهذا وجه (فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ) ، الذي لا يجوز غيره من الوجوه ، وهو كلام صحيح لا تنكره فيه العقول.
١١٥ ـ وسألته : عن : (فَأَوْجَسَ فِي نَفْسِهِ خِيفَةً مُوسى) (٦٧) [طه : ٦٧]؟
فلم يوجس صلى الله عليه أن يغلب أو يقهر ، ولكنه أوجس ألا يبصر ـ من حضره من السحرة ومن الناس ـ حقيقة الحق كما (٣) أبصر ، فيظنون أن ما جاء به من الحق كسحر السحرة ، وأن موسى صلى الله عليه من الكفرة ، وقد كان خاف قولا منهم واعتسافا (٤) فقالوا : (إِنْ هذانِ لَساحِرانِ يُرِيدانِ أَنْ يُخْرِجاكُمْ مِنْ أَرْضِكُمْ
__________________
(١) في المخطوط : قولا. ولعلها سهو من النساخ.
(٢) في المخطوط : فلم. ولعل الصواب ما أثبت.
(٣) في المخطوط : من حضره والسحرة من الناس حقيقة الحق ما أبصر. ولعل ما أثبت هو الصواب ، والله أعلم.
(٤) لعل هنا سقطا.