يكون تأويل «من دونه» : أنهم دونه كبرياء وجلالا.
والذين كانوا يعبدون فهم من عبدوا من الملائكة المقربين ، ومن كانوا يعبدون من دونه من الآدميين ، ومن عبد من الناس أحدا من الشياطين ، هؤلاء كلهم فهم عباد أمثالهم ، وقد عبدوا من عبدوا من العباد ، ما كانوا يعبدون من الأصنام ، والتماثيل والأوثان (١) ، التي ليس لها أرجل ولا أيدي ولا أعين ولا أسماع ، ولا عندها لأحد عبدها أو لم يعبدها ضر ولا انتفاع ، وفي الأصنام ما يقول الرحمن ، له الكبرياء والجلال : (أَلَهُمْ أَرْجُلٌ يَمْشُونَ بِها أَمْ لَهُمْ أَيْدٍ يَبْطِشُونَ بِها) [الأعراف : ١٩٥] ، وما ذكر من غير ذلك عند ذكرها ، وليس شيء من ذلك كله لها ، فكيف يعبدونها مع زوال ذلك كله عنها ، وهو أفضل في ذلك كله منها ، إلا لفعلهم الفاسد المدخول ، بالمكابرة لحجة العقول.
١٥٨ ـ وسألت عن قوله : (يَوْمَ يَجْمَعُ اللهُ الرُّسُلَ فَيَقُولُ ما ذا أُجِبْتُمْ قالُوا لا عِلْمَ لَنا) [المائدة : ١٠٩]؟
ومسألة الرسل من الله عن ما أجيبوا في يوم البعث ، فمسألة عن الله ذات حقيقة وحكمة ورحمة بريّة من كل جهل وعبث ، وإنما هي تقرير لهم ولأممهم وتعريف وتوقيف ، وإبانة أنه لا يأخذ أممهم إلا بجرمهم لأنه هو الله الرحيم الرءوف ، وأنه علام ما خفي عن الرسل من غيرهم ، فيما كان من الجواب لهم في حسناتهم وذنوبهم.
١٥٩ ـ وسألت : عن قوله سبحانه لرسوله صلى الله عليه : (فَإِنْ كُنْتَ فِي شَكٍّ مِمَّا أَنْزَلْنا إِلَيْكَ فَسْئَلِ الَّذِينَ يَقْرَؤُنَ الْكِتابَ مِنْ قَبْلِكَ) [يونس : ٩٤]؟
ليس قوله سبحانه : (فَإِنْ كُنْتَ فِي شَكٍ) أنه فيه ، ولا أنه يشك في شيء مما نزله الله إليه ، ولكنه تنزيه له من ذلك كله ، وتثبيت ليقينه ولتفضله فيه على غيره ، ألا ترى أنه يقال لمن كان موقنا يقينا صادقا ، وكان فيما اعتقده منه كله معتقدا عقدا محقا ، إن كنت يا هذا في شك من (٢) أمرك ، فتثبّت فيه بغيرك ، فيغضب على من قال له ذلك
__________________
(١) لعل في هذه الجمل سقطا أو تصحيفا.
(٢) في المخطوط : مما. ولعل الصواب ما أثبت.