وتأويل (زُرْتُمُ الْمَقابِرَ) هو مصيرهم إليها ، واتصالهم بالآخرة وإشرافهم عليها.
وتأويل (كَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ (٣) ثُمَّ كَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ (٤) كَلَّا لَوْ تَعْلَمُونَ عِلْمَ الْيَقِينِ (٥)) ، هو تكرير من الله تبارك وتعالى في ذلك كله عليهم للتعريف والتبيين ، ألا ترى كيف يقول سبحانه : (لَتَرَوُنَّ الْجَحِيمَ (٦) ثُمَّ لَتَرَوُنَّها عَيْنَ الْيَقِينِ (٧)) ، يقول جل ثناؤه : لترون ما وعدتم منها رأي العين عين يقين.
وتأويل (ثُمَّ لَتُسْئَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ (٨)) هو : لتوقفن حينئذ على ما كنتم فيه قبل متوفاكم ، وفي حياتكم ودنياكم ، من النعيم ، والمن العظيم ، الذي كانوا يتنعمون به في الحياة الدنيا وبقائها ، وقبل ما صاروا إليه من الآخرة وشقائها. وليس مما نزل الله عزوجل من آياته في هذه السورة ، ولا غيرها طويلة ولا قصيرة ، إلا وفيها بمن الله دلالات خفية باطنة وظاهرة منيرة ، ففي أقل ظاهرها ما كفى وأغنى ، وفي خفيّها من الحكمة والبركة ما لا يفنى.
تفسير القارعة
بسم الله الرحمن الرحيم
وسألته عن قول الله سبحانه : (الْقارِعَةُ (١) مَا الْقارِعَةُ (٢) وَما أَدْراكَ مَا الْقارِعَةُ (٣))؟
فالقارعة : ما هال من الأمور وقرع ، وهجم على أهله بغتة بأهواله فأفزع.
وأما تأويل ما أدراه ، فهو : تعظيم منها لمرآه ، وما سيعاينه فيها ويراه ، من الأهوال والأمور الفادحة ، وجزاء الأعمال الصالحة والطالحة ، حين تقوم القيامة ، وتدوم الحسرة والندامة ، على كل خائب وخاسر ، وظالم معتد فاجر ، ألا تسمع كيف يقول سبحانه عند بعثه فيها لخلقه المبعوث : (يَوْمَ يَكُونُ النَّاسُ كَالْفَراشِ الْمَبْثُوثِ (٤)) ، وتأويل (يَكُونُ) فهو يصير ، والفراش فطير صغير خفيف عند من يراه حقير ، من همج الأرض والطير ، تمثّل به العرب في الكثير ، لأنه كثير ضعيف ، وطير محتقر خفيف ، فتقول إذا استكثرت شيئا أو استضعفته ، واستقلت وزنه فاستخفته : ما هذا إلا