فإذا كان المعنى ـ في تلك الأحاديث ـ أن لا تتخذوا قبور الصالحين قبلة لكم ، أو : لا تجعلوهم شركاء مع الله تعالى في العبادة ، فلا يمكن الاستدلال ـ بأيّ وجه ـ على حرمة البناء على قبورهم أو عندهم ، لأنّ الزائرين لا يتّخذون تلك القبور قبلة لهم ولا يعبدونهم ولا يجعلونهم شركاء في العبادة ، بل كلّهم مؤمنون بالله موحّدون له ، ويتوجّهون ـ في صلواتهم ـ إلى الكعبة المقدَّسة ، والهدف من بناء المسجد عند تلك القبور هو التبرّك بالأرض الّتي احتضنت أجسادهم الطاهرة.
فالمهم هو أن يثبت لنا أنّ هدف هذه الأحاديث من عدم اتخاذ القبور مساجد هو ما ذكرناه ، وإليك القرائن الدالّة على ذلك :
١. الحديث المذكور في صحيح مسلم ـ وهو الحديث رقم ٤ ـ يوضّح الأحاديث الأُخرى ، فحينما قالت أُمّ حبيبة وأُمّ سلمة ـ زوجتا النبيّ ـ صلىاللهعليهوآلهوسلم ـ بأنّهما رأتا تصاوير في إحدى كنائس الحبشة ، قال النبيّ :
«إنّ أُولئك إذا كان فيهم الرجل الصالح فمات ، بنوا على قبره مسجداً وصوَّروا فيه تلك التصاوير ...».
فالهدف من وضع صور الصالحين بجوار قبورهم إنّما كان لأجل السجود عليها وعلى القبر ، بحيث يكون القبر والصورة قبلة لهم ، أو كانتا كالصنم المنصوب يُعبدان ويُسجدان لهما.
إنّ هذا الاحتمال ـ اللائح من هذا الحديث ـ ينطبق مع ما عليه المسيحيّون من عبادة المسيح ووضع التصاوير والتماثيل المجسّمة له وللسيّدة مريم عليهماالسلام.
ومع هذا المعنى فلا يمكن الاستدلال بهذه الأحاديث على حرمة بناء المسجد على قبور الصالحين أو بجوارها من دون أن يكون في ذلك أيّ شيء يوحي بالعبودية ، كما عليه المسيحيّون.