٢. يروي أحمد بن حنبل في مسنده ومالك بن أنس في «الموطّأ» تتمّة لهذا الحديث ، وهو أنّ النبيّ ـ صلىاللهعليهوآلهوسلم ـ قال ـ بعد النهي عن اتخاذ القبور مساجد ـ :
«اللهُمَّ لا تَجْعَلْ قَبْري وَثَناً يُعْبَد». (١)
إنّ هذا يدلّ على أنّ أُولئك كانوا يتّخذون القبر والصورة الّتي عليها قبلة يتوجّهون إليها ، بل صنماً يعبدونه من دون الله سبحانه.
٣. إنّ التأمّل في حديث عائشة ـ الحديث الثاني ـ يزيد في توضيح هذه الحقيقة ، حيث إنّها بعد الرواية عن رسول الله ـ صلىاللهعليهوآلهوسلم ـ تقول :
«لو لا ذلك لأبرزوا قبره ، غير أنّي أخشى أن يُتَّخذ مسجداً».
ونتساءل : إقامة الجدار حول القبر يمنع عن أيّ شيء؟!
من الثابت أنّ الجدار يمنع من الصلاة على القبر نفسه وأن يتّخذ وثناً يُعبد ، وعلى الأقل لا يكون قبلة يُتوجّه إليها.
أمّا الصلاة بجوار القبر ـ من دون عبادة القبر أو جعله قبلة للعبادة ـ فلا يمنع منها ، سواء أكان هناك حاجز يحجز القبر عن الرؤية أم لا ، وسواء أكان القبر بارزاً أم لا ، وذلك لأنّ المسلمين ـ منذ أربعة عشر قرناً ـ يُصلّون بجوار قبر رسول الله ـ صلىاللهعليهوآلهوسلم ـ في حين أنّهم يتوجّهون إلى الكعبة ويعبدون الله تعالى ، فوجود الحاجز لم يمنع من هذا كلّه.
والخلاصة : أنّ تتمة الحديث الثاني ـ الّتي هي من كلام عائشة ـ تُوضّح معنى الحديث ، لأنّها تذكر السبب الّذي منع من إبراز قبر رسول الله ـ صلىاللهعليهوآلهوسلم ـ بأنّه للحيلولة دون اتّخاذه مسجداً ، ولهذا أُقيم الجدار الحاجز حول القبر الشريف.
فالحاجز يمنع من شيئين :
__________________
(١) مسند أحمد : ٣ / ٢٤٨.