وأجيب باختيار أنّ علتها ليست أزليّة ، قوله ذلك (١) يقتضي أن تكون علّتها مركّبة.
قلنا : نعم ونلتزم به.
قوله : وكلّ ما علّته مركّبة فهو مركّب.
قلنا : ممنوع وقد تقدّم بيانه.
الثالثة ، قالوا : إنّها ليست حالّة في البدن ولا مجاورة له ، لما ثبت من تجرّدها ، لكنها متعلّقة به تعلّق العاشق بالمعشوق ، وسبب تعلّقها توقّف كمالاتها ولذّاتها الحسّيين والعقليين عليه ، لأنّها في مبدأ الفطرة خالية من جميع العلوم والإدراكات ، وبواسطة الإدراكات الجزئية يحصل لها استعداد البديهيات ، إذ الحواس مبادي اقتناص العلم بمشاركات ومباينات فمن فقد حسّا فقد علما.
ثمّ البديهيات تحصل النظريات بواسطتها ، فتتعلّق أوّلا بالروح المنبعث عن القلب المتكوّن من ألطف أجزاء الأغذية ، فيفيض عليه من النفس الناطقة قوى تسري لسريانه إلى أجزاء البدن وأعماقه ، فتسير في كلّ عضو قوى تليق به ويكمل بها نفعه بإذن الحكيم العليم ، وتلك القوى تنقسم إلى مدركة ومحركة ، أمّا المدركة فإمّا ظاهرة وهي خمس سيجيء بيانها أو باطنة ، وهي خمس أيضا :
الأوّل : الحسّ المشترك ، وهي قوّة يدرك بها (٢) صور المحسوسات بالحواسّ الخمس ، فإنّه يحكم (٣) على هذا بأنّه أبيض طيب الرائحة حلو ، والحكم بدون استحضار المحكوم عليه وبه محال فلا بدّ من مدرك لهما معا ، ويسمّى أيضا بنطاسيا ، ومحلّها مقدّم البطن الأوّل من الدماغ.
الثاني : الخيال ، وهي قوة تحفظ تلك الصور ، فإنّ الإدراك غير الحفظ ومحلّه مؤخّر هذا البطن.
الثالث : الوهم وهي قوة تدرك المعاني الجزئية المتعلّقة بالمحسوسات ، كصداقة زيد
__________________
(١) أي كل ما علته مركبة فهو مركب.
(٢) بها ـ خ : (آ).
(٣) فإنّا نحكم ـ خ : (آ).