يماسّ محدّبيهما ومقعّريهما على نقطتين يسمّى الأبعد عن الأرض أوجا والأقرب حضيضا.
ثمّ أثبتوا فلكا آخر يسمّى فلك التدوير غير محيط بالأرض ، بل هو في ثخن الخارج المركز للخمسة المتحيرة (١) أعني ما عدا الشمس والقمر ، والمراد بالمتحيرة ماله رجوع واستقامة ، وأثبتوا لعطارد فلكين : خارجي المركز أحدهما المدير والآخر الحامل والمجموع مع الفلكين العظيمين أربعة وعشرون.
واستدلّوا على ذلك بالأرصاد.
قالوا : وجميع هذه الأفلاك بما فيها أمور بسيطة شفّافة خالية عن الكيفيات الفعلية كالحرارة والبرودة وما ينسب إليهما ، والانفعالية كالرطوبة واليبوسة وما ينسب إليهما وليست ثقيلة ولا خفيفة ولا لها حركة مستقيمة ، بل حركاتها كلّها مستديرة صادرة عن إرادة قائمة بنفس مجرّدة متعلّقة بذلك الفلك.
قالوا : والكواكب كلّها أجسام بسيطة مركوزة في الفلك مضيئة إلّا القمر ، فإنّه يستفيد الضوء من الشمس ، يشهد بذلك تفاوت نوره بحسب قربه من الشمس وبعده عنها.
ومن قال : إنّه كرة تضيء أحد وجهيها وتظلم الآخر ، وتتحرّك على مركزها حركة تساوي حركة الفلك كذّبه الخسوف. هذه حكاية ما قالوه ولهم على ذلك استدلالات هي بمظانّها أنسب (٢).
وأمّا الثاني : فهو إمّا بسائط أو مركّبات ، فالبسائط أربعة (٣) : النار والهواء والماء
__________________
(١) سمّيت الخمسة منها ، ما عدا الشمس والقمر متحيّرة ، لكونها في حركاتها الخاصة تارة مستقيمة وتارة واقفة وتارة راجعة كالمتحيّر في أمره على ما زعموا وتخيلوا.
(٢) وقد تحقّق بطلان تلك الاستدلالات في زماننا هذا ، ولا ينبغي الإذعان بتلك الحدسيّات الواهية كما أنّ المصنّف (ره) بمقتضى ذكاوته ودقّته اكتفى بمجرّد الحكاية عنهم غير مذعن بأقوالهم ومزاعمهم.
(٣) هذا الكلام وكثيرا ما يأتي ذكره كقوله : فالنار تحت فلك القمر ، مبنيّ على ما كان محقّقا عند القدماء على زعمهم ، وأما اليوم فقد تحقّق البسائط والمركّبات بالبحث والتنقيب العلمي الصحيح ، فراجع الكتب المؤلّفة في هذا الشأن ، وقد لغت فكرة العناصر الأربعة ، وثبت أنّها ليست هي العناصر الأصلية البسيطة للمادة ، ـ