الهواء ، نعم هي مرئية بشرط وقوع الضوء واللون عليها ، وهو حقّ.
البحث الثالث : في العرض ، وينقسم إلى مختصّ بالأحياء وغير مختصّ بهم ، والأوّل أقسام :
الأوّل : الحياة ، وهي صفة تقتضي لموضوعها إمكان الاتّصاف بالقدرة والعلم ، إذ لو لا هما لما كان المحلّ أولى بذلك من الجماد المشارك له في الجسمية والتركيب. وقيل : هي عبارة عن الحسّ والحركة ، وقيل : اعتدال المزاج ، ونقض الأوّل بالعضو المفلوج ، فإنّه حيّ ليس بحسّاس ، والثاني بأنّه شرط فيها ، وحينئذ لا بدّ لها من البنية ، لاستحالة حصولها في غير البنية ، ويفتقر إلى الروح ، وهي أجسام لطيفة متكونة من بخارية الأخلاط ، سارية في العروق تنبعث عن القلب ، والموت عدم الحياة عن محلّ اتّصف بها ، فهو عدم ملكة ، وقيل: وجودي ، فيكون ضدّا ، ودليله خلق الموت ، وهو ضعيف ، إذ الخلق التقدير. (١)
__________________
(١) إشارة إلى قوله تعالى : (الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَياةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً) الملك ٦٧ : ٢. قوله : إذ الخلق التقدير ، يريد أنّ الخلق في الآية الشريفة إمّا بمعنى التقدير فقط بدون اعتبار معنى إحداث فعل معه ، أو بمعنى التقدير مع الإحداث حسب التقدير ، فعلى الأول هو معنى لغوي للخلق بناء على أنّ الموت أمر عدمي كما هو كذلك عند العرف ، وهو عدم الحياة عمّن من شأنه أن يكون حيا فلا يتعلق به الإيجاد ، والتقدير يتعلق بالمعدوم كتعلّقه بالموجود ، وهذا أيضا بناء على أنّ المراد بالموت ما هو المقدّم على الحياة ، وهو عدم الحياة كما يشير إليه قوله تعالى : (وَكُنْتُمْ أَمْواتاً). الآية وهذا عدم صرف وأزلي لا يتعلق به الإيجاد ، إذ لو تعلّق به الخلق لكان حادثا.
وأما على الثاني ـ أعني كون المراد هو التقدير مع الإحداث حسب التقدير ـ فيراد بالموت ما هو بعد الحياة ، والموت في اللغة هو زوال الحياة عمن كانت فيه فيعرف بعدم الحياة عمّن اتّصف بها ، وهذا التعريف لا يتناول ما هو قبل الحياة فهو أخصّ من الأول مطلقا.
وعلى المعنى الأول فإطلاق الموت على ما قبل الحياة مجاز واستعارة وأمّا على المعنى الثاني فتعلّق الخلق بالموت ظاهر لا مجاز فيه ، لأنّ عدم الملكة يتعلّق به الخلق كالعمى ، وليس عدم الصرف حتى لا يتعلق به الجعل ، كما هو كذلك في جعل الظلمة من النور فيتعلق بهما الخلق ، فلا مجاز في إطلاق الخلق على الموت بالمعنى الثاني كما لا مجاز في إطلاق الجعل على الظلمة.