إلى مؤثّر ، فإن كان واجبا فالمطلوب ، وإن كان ممكنا دار وتسلسل ، وهما محالان كما تقدّم.
قالوا : وهذه طريقة شريفة أشير إليها في الكتاب العزيز بقوله : (أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ) (١) وهو برهان لمّي (٢) لأنّه استدلال به تعالى على غيره.
والثاني : طريقة المتكلّمين ، وهو إمّا استدلال لحدوث الذوات أو الصفات.
فالاوّل تقريره : أنّ العالم محدث ، وكلّ محدث مفتقر إلى محدث ، والمقدمتان تقدم بيانهما.
والثاني : منحصر في نوعين :
الأوّل : دلائل الأنفس ، وهو أنّ النطفة (٣) جسم متشابه الأجزاء يتكوّن منه جسم(٤)
__________________
(١) فصلت ٤١ : ٥٣.
(٢) الاستدلال بالعلّة على المعلول يسمّى برهانا لميّا ، لأنه يفيد لميّة الحكم في الواقع ونفس الأمر عند المستدل كما يستدل بوجود النار على الاحتراق ، لأنّ العلم بالعلة مستلزم للعلم بالمعلول المعين ، لأنّه انتقال من العلّة إلى المعلول ، والبرهان اللميّ منسوب إلى «لم» التي هي السؤال عن العلة ، وإنما شدّد الميم لقاعدة النسبة وأنّ كلّ ما نسب إلى شيء مركّب من حرفين شدّد ثانيهما ، ومن أنكر القاعدة في النسبة مطلقا في اللسان العربي المبين من المعاصرين فقد خبط خبط العشواء ودحضنا شبهاته بنحو أحسن وأو في في المقدمة التي كتبناها على تفسير جوامع الجامع للطبرسي (ره) فراجع.
وقد يكون الاستدلال بالمعلول على العلة كالاستدلال من وجود الإحراق في جسم على ملاقاة النار ، لأنّ العلم بالمعلول يستلزم العلم بعلة ما. وقد يصحّ الاستدلال بأحد المعلولين على الآخر كالاستدلال بوجود النهار على إضاءة العالم وهما معا معلولا علّة واحدة ، وهي طلوع الشمس ، ويسمّيان معا برهانا إنّيا ، لأنّهما يفيدان علية الحكم عند المستدلّ لا في نفس الأمر.
والبرهان الإنّي منسوب إلى «إنّ» التي هي بمعنى التحقق.
وقد يكون الدليل هو الاستدلال بموجود على موجود كالاستدلال بثبوت الحياة على ثبوت العلم.
وقد يكون الاستدلال بموجود على معدوم كالاستدلال بوجود أحد الضدّين على عدم الآخر.
وقد يكون الاستدلال بمعدوم على معدوم كالاستدلال بنفي الحياة على نفي العلم.
وقد يكون الاستدلال بمعدوم على موجود كالاستدلال بعدم أحد الضدّين على وجود الآخر.
(٣) النقطة ـ خ : (د) وهو غلط.
(٤) بدن ـ خ ل ـ : (د) و ـ خ : (آ).