(إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ) (١) إنّه غير معلوم الحقيقة.
إن قلت : فلم لا يكون معلوما بالرسم؟
قلت : الرسم تعريف بالخارج فهو لا يفيد الحقيقة.
وقال كثير من المتكلمين : إنّها معلومة ، لأنّ وجوده معلوم وهو نفس حقيقته ، وهو خطأ ، فإنّ الوجود المعلوم هو الزائد المقول عليه وعلى غيره بالتشكيك لا ما هو نفس حقيقته.
الثاني : أنّ حقيقته ليست مماثلة لغيرها من الذوات ، لأنّها لو كانت مماثلة لكان امتيازها عن غيرها ، إن كان لنفسها لزم الترجيح بلا مرجّح ، وإن كان لأمر زائد عليها فإن كان لازما لها عاد الكلام في اللزوم كما قلنا أوّلا ، وإن كان عارضا نقلنا الكلام إلى سبب عروضه ويتسلسل.
من هنا يعلم أنّه لا ندّ له ، لأنّه يقال على المشارك في الحقيقة.
الثالث : أنّه لا ضدّ له ، لأنّ الضدّ يقال على معنيين :
الأوّل : مساو في القوة ممانع في الوجود ، والثاني : عرض يعاقب عرضا آخر في محلّه وينافيه فيه ، والواجب سبحانه لا مساوي له كما تقدّم وليس بعرض كما يجيء ، فلا يكون له ضدّ بالمعنيين.
الرابع : أنّه ليس بمحتاج ، لأنّه لو كان كذلك لكان احتياجه إمّا في ذاته أو في صفاته ، وكلاهما محال ، وإلّا لكان ممكنا وناقصا ، تعالى الله عن ذلك.
__________________
(١) الشعراء ٢٦ : ٢٨ ـ أشار المصنّف (ره) من قوله : ولذلك لما سئل الكليم ... إلى قوله : إنّه غير معلوم الحقيقة ... إلى سؤال فرعون عن موسى عليهالسلام عن ربّه تعالى بقوله : (وَما رَبُّ الْعالَمِينَ)؟ ـ الشعراء ٢٦ : ٢٣ (قالَ رَبُّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما بَيْنَهُمَا) ٢٦ : ٢٤ ثم ذكر سبحانه وتعالى قول فرعون : (قالَ إِنَّ رَسُولَكُمُ الَّذِي أُرْسِلَ إِلَيْكُمْ لَمَجْنُونٌ) ٢٦ : ٢٧ ـ انظر إلى الآيات الشريفة في سورة الشعراء.