الخامس : أنّه غير متّحد بغيره ، والاتحاد عبارة عن صيرورة الشيئين شيئا واحدا موجودا واحدا ، وهو محال ؛ لأنّهما إن بقيا كما كانا فهما اثنان لا واحد ، وإن عدما فلا اتّحاد أيضا بل وجد ثالث ، وإن عدم أحدهما فلا اتّحاد أيضا بل عدم أحدهما وبقي الآخر.
وقال بعض النصارى باتّحاده بالمسيح وتفصيل مذهبهم : أنّهم أجمعوا على أنّه تعالى واحد بالجوهر ، أي بالذات ثلاثة بالأقنومية أي بالصفات ، ومعنى لفظة أقنوم الصفة الشخصية ويعبرون عن هذه الأقانيم بالأب أعني الذات مع الوجود ، وبالابن أعني الذات مع العلم ، ويطلقون عليه اسم الكلمة ويختصّونه بالاتّحاد ، وروح القدس الذات مع الحياة.
وانفردت الملكائية بقولهم : إنّ جزء من اللاهوت حلّ في الناسوت واتّحد بجسد المسيح وتدرّع به ، ولا يسمّون العلم قبل تدرّعه ابنا ، بل المسيح مع ما تدرّع به هو الابن ، ويقولون: إنّ الكلمة مازجت الجسد ممازجة الخمر (١) والماء اللبن.
وقالوا : إنّ الجوهر غير الأقانيم وصرّحوا بالتثليث ، وإليه أشار بقوله تعالى : (لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قالُوا إِنَّ اللهَ ثالِثُ ثَلاثَةٍ) (٢) وقالوا : إنّ المسيح ناسوت كلّي لا جزئي ، وإنّ القتل والصلب وقع على الناسوت دون اللاهوت.
وانفردت اليعقوبية بقولهم بإلهية المسيح وإنّ الكلمة انقلبت لحما ودما فصار الجميع هو الإله ، وإنّه (٣) ظاهر بجسده (٤) وإليه الإشارة بقوله تعالى : (لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قالُوا إِنَّ اللهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ) (٥) وزعموا أنّ الكلمة اتّحدت بالإنسان الجزئي لا الكلي ،
__________________
(١) الخمر جمع الخمرة. وخمرة اللبن : روبته التي تجعل فيه ليروب سريعا. والروبة خميرة تلقى في اللبن ليروب بقية اللبن.
(٢) المائدة ٥ : ٧٣.
(٣) وأنّهما ـ خ : (د).
(٤) وأنّه ظاهر الجسد ـ خ ل ـ خ : (د).
(٥) المائدة ٥ : ١٧ ؛ ٧٢.