السادس : أنّه ليس بحالّ في شيء والمعقول من الحلول هو قيام موجود بموجود على
__________________
ـ النصارى غير معقول في رتبة التصور ، أي أنّ العقل لا يمكن أن يتصوّره ، فكيف يصدّق به ويعتقده ، ونحن لا نحتاج في ردّه إلى تكلّف إقامة الدليل بعد أن كان غير معقول بنفسه ، لأنّ أرباب هذه العقيدة يعتقدون أنّ الواجب واحد ، وهو الله تعالى ، وهو ثلاثة : الله وهو الأب ...؟! وعيسى وهو الابن ، والروح القدس ، وهذه الثلاثة يسمّونها الأقانيم ويدّعون أنّها واحد فيحفظون عنوان الواحدية لها وعنوان الثلاثية. يقولون : إنّ الثلاثة واحد وإنّ الواحد ثلاثة بالاتحاد ، وهذا تناقض واضح وغير معقول في حدّ ذاته ولا يمكن تصوره ؛ لأنّ العقل يجزم بأنّ الثلاثة غير الواحد وأنّ الواحد غير الثلاثة ، فصيرورة الثلاثة واحدا محال عقلا ، وهذا أمر فطري يميّزه حتّى الرضيع من الأطفال ، ألا ترى الطفل إذا نضب أحد ثديي مرضعته تركه والتقم الثدي الآخر فهو يدرك بفطرته أنّ الاثنين غير الواحد.
قال بعض في كتابه الذي ألّفه في حال استقامته بعد أن بين ما ذكرناه : ليست عقيدة الاتحاد التي تمسك بها المسيحيون من مختصات النصرانية ومبتدعاتها ، فقد سبق الناس إلى أمثالها من العقائد قبل النصرانية بألوف من السنين ، وقد دقق الباحثون في معتقدات النصرانية فرأوها لا تختلف عن العقائد الوثنية وديانات الهند ، وجزموا بأنها قد أخذت من تلك الديانات ، والاعتبار يساعد على ذلك ، فإنّ كل ذي عقل ودين ينزّه المسيح عليهالسلام من أن يأتي بخرافات لا تنطبق على العقل وينفيها صريح الوجدان.
قلت : وقد أشار القرآن الكريم في قوله تعالى : (وَقالَتِ النَّصارى الْمَسِيحُ ابْنُ اللهِ ذلِكَ قَوْلُهُمْ بِأَفْواهِهِمْ يُضاهِؤُنَ قَوْلَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَبْلُ) (سورة التوبة ـ ٣٠) إلى أنّ عقائد النصارى في حقّ المسيح مأخوذة من الكفّار الذين سبقوهم في الزمن الغابر ، وقد انكشفت في هذه السنين الأخيرة الحقائق الراهنة في حقّ أهل الكتاب ، وظهرت أسرار الآية الشريفة في حقّهم ، وقد اتّضح أنّ العهدين ـ العتيق والجديد ـ متضمّنان من مذاهب البوذيين والبرهمانيين والمجوس وغيرهم من الوثنيين ومأخوذان عنهم ، بحيث لم تختلف عنهم قيد شعرة حتى في القصص والحكايات والأساطير التي اشتملت عليها الأناجيل ، ولم يبق لأي باحث منقّب ريب فيما تضمّنه قوله تعالى : (يُضاهِؤُنَ قَوْلَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَبْلُ) الآية ـ من الإشارة إلى المعاني الكثيرة التي خفيت منذ القرون إلى هذه العصور عند أكثر المفسرين للقرآن الكريم ، فإنّهم لم يكشفوا عن معناها في حقّ أهل الكتاب كما يستحقّ بالذكر ، ولم يلفتوا أنظارهم إلى العقائد الوثنية التي تسرّبت إلى دين النصارى واليهود ، وقد كشف الغطاء عن وجه أسرار الآية الشريفة الشيخ الفاضل المتكلّم محمد طاهر التنير البيروتي المتوفّى سنة ١٣٥٢ في كتابه العقائد الوثنية في الديانة النصرانية ، وطبع في بيروت سنة ١٣٣٠ ولكن أتباع الكنيسة أبادوا نسخه ووفقني الله تعالى لطبعه ونشره ثانيا بطريق (الأفست) في سنة ١٣٩١ والحمد لله تعالى. وغير خفي على الخبير أنّ بعض أهل أوربا وغيرهم أيضا ألّف على منوال ذلك الكتاب تأليفا في هذا الباب ، فتفحّص والله الموفق.