الثانية : أنّه ليس بجسم ولا شيء من أجزائه ، وإلّا لكان مفتقرا إلى الحيّز ، ولكان متحرّكا أو ساكنا فيكون حادثا ، تعالى الله عن ذلك.
الثالثة : أنّه ليس حالّا في الحيّز وإلّا لكان مفتقرا إليه ، وهو باطل.
الحادي عشر : أنّه ليس بمرئي بالبصر ، لأنّه ليس في جهة ، وكلّ مرئيّ في جهة. أمّا الأولى فقد تقدم بيانها. وأمّا الثانية فلأنّ كلّ مرئيّ مقابل أو في حكمه كالصورة في المرآة ، وهو ضروري ، وكلّ مقابل فهو في جهة ، وهو ضروري أيضا.
ولقوله تعالى : (لا تُدْرِكُهُ الْأَبْصارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصارَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ) (١) والمراد
__________________
ـ ولكنّه عزوجل أمر أولياءه وعباده برفع أيديهم إلى السماء نحو العرش ، لأنه تعالى جعله معدن الرزق ، فثبّتنا ما ثبّته القرآن والأخبار عن الرسول صلىاللهعليهوآله حين قال : ارفعوا أيديكم إلى الله عزوجل ، وهذا مجمع عليه فرق الأمة كلّها. الحديث.
وقال العلّامة الكراجكي (ره) في كتابه كنز الفوائد : فإن قيل : فما معنى رفعكم أيديكم نحو السماء في الدعاء ، وما معنى قوله سبحانه : (إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ) قلنا : الجواب عن ذلك :
أنّا إنّما رفعنا أيدينا نسترزق من السماء لقول الله تعالى : (وَفِي السَّماءِ رِزْقُكُمْ وَما تُوعَدُونَ) وإنّما جاز أن يقال : إنّ الأعمال تصعد إلى الله تعالى ، لأنّ الملائكة الكرام حفظة الأعمال مسكنهم السماء ، وأيضا لأنّ السماء أشرف في الخلقة من الأرض ، فلذلك تعرض الأعمال فيها على الله سبحانه وبالتوجّه إليها دعي الله تعالى ، وكلّ ذلك اتساع في الكلام وليس فيه ما يوجب أن يكون الله سبحانه على الحقيقة في السماء ، ونحن نرى المسلمين يقولون للحجّاج : هؤلاء زوار الله ، وإنّما هم زوار بيت الله.
فإن قيل : فأين الله تعالى؟
فالجواب أنّه لا يستفهم بأين إلّا عن مكان والله تعالى لا يوصف بالمكان.
فان قيل : فكيف هو؟
فالجواب أنّه استفهام عن حال فالله تعالى لا تناله الأحوال ، والذي ساق إليه الدليل هو العلم بوجوده سبحانه وأنّه لا شبه له ، جاء في الحديث أنّ أمير المؤمنين صلوات الله عليه كان يقول ـ إذا سبّح الله تعالى ومجّده ـ : سبحان من إذا تناهت العقول في وصفه كانت حائرة عن درك السبيل إليه ، وتبارك من إذا غرقت الفطن في تكييفه لم يكن لها طريق إليه غير إليه غير الدلالة عليه انظر ص ٢٣٩ ـ ٢٣٨ طبعة تبريز سنة ١٣٢٢.
(١) الأنعام. ٦ : ١٠٣.