النوع الثاني : فيما تمسّك به من قال بالجهة له تعالى ، وهو من الكتاب وجوه :
الأوّل : الآيات الستة (١) الواردة بلفظ الاستواء على العرش.
وأجيب بأنّ الدلائل القطعية دالّة على أنّه ليس مختصّا بجهة وحيّز ، فلا يكون المراد بالاستواء ما فهموه ، وإلّا لزم كونه منقسما ، لأنّ الجزء الحاصل منه في يمين العرش غير الحاصل في يساره ، ولزم أن يكون محدثا إن قدر على الحركة والسكون ، وإن لم يقدر يلزم أن يكون (٢) كالمربوط أو كالزمن بل أسوأ حالا منهما ، ولزم أن يكون محمولا بقوله : (وَيَحْمِلُ عَرْشَ رَبِّكَ فَوْقَهُمْ يَوْمَئِذٍ ثَمانِيَةٌ) (٣) فيكون محفوظا بحامليه ، لكن الخالق يحفظ المخلوق لا العكس ، وإذا لم يكن كذلك وجب تأويله ، وهو أنّ المراد : الاستيلاء والقهر ونفاذ القدرة ، وجريان الأحكام الإلهية ، وهذا جائز في اللغة.
قال الشاعر :
قد استوى بشر على العراق |
|
من غير سيف ودم مهراق (٤) |
وعلّة تخصيص العرش وجهان :
الأوّل : أنّه أعظم المخلوقات ، فخصّ الذكر لذلك كما خصّه في قوله : (وَهُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ) (٥).
__________________
(١) الأعراف ٧ : ٥٧ ؛ يونس ١٠ : ٣ ؛ الرعد ١٣ : ٢ ؛ طه ٢٠ : ٥ ؛ الفرقان ٢٥ : ٥٩ ؛ السجدة ٣٢ : ٤ ؛ الحديد ٥٧ : ٤ فهذه الآيات السبعة الواردة بلفظ «الاستواء على العرش» وورد في آيتين بلفظ «الاستواء إلى السماء». البقرة ٢ : ٢٩ فصلت ٤١ : ١١ فما أشار إليه المصنف (ره) : أنّها الآيات الستة ذهول منه قدسسره.
(٢) كان كالمربوط ـ خ : (آ).
(٣) الحاقة ٦٩ : ١٧.
(٤) راجع مجمع البحرين للشيخ الطريحي (ره) ج ١ ، ص ٢٣٥ طبعة النجف ، وقد استشهد بهذا البيت في كثير من كتب التفاسير ومعاجم اللغة وغيرها ، وقائله الأخطل كما في تاج العروس للزبيدي. انظر ج ١٠ ص ١٨٩ ، طبعة مصر.
(٥) المؤمنون ٢٣ : ٨٦ ؛ النمل ٢٧ : ٢٦.