وأجيب أنّ المراد : العندية بالشرف ، مع أنّه معارض بقوله عليهالسلام ، حكاية عن ربّه : «أنا عند المنكسرة قلوبهم وأنا عند ظنّ عبدي بي» بل هذا أقوى ، لأنّ الأوّل يدلّ على أنّ الملائكة عند الله ، والثاني يدلّ على أنّ الله عند العبد.
وأيضا قوله : (وَإِنَّ لَهُ عِنْدَنا لَزُلْفى وَحُسْنَ مَآبٍ) (١) وليس المراد بالعندية فيها الجهة ، فكذا غيرها.
مع أنّا نقول للكرامية : إنّكم تساعدون على أنّ ظواهر القرآن وإن دلّت على إثبات الاعضاء يجب القطع بنفيها ، لما دلّت عليه الدلائل القطعية من استحالة الجسمية عليه ، وأنّ مراده تعالى غير ذلك ، فكذا نقول فيما ذكرتموه من دلائل الجهة حذو النعل بالنعل.
النوع الثالث : فيما تمسّك به من قال بالرؤية وهو وجوه :
الأوّل : قوله تعالى حكاية عن موسى عليهالسلام : (رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ) (٢) ولو كانت الرؤية ممتنعة لما سألها عليهالسلام وإلّا لكان بعض حثالة (٣) المعتزلة أعلم بصفاته من موسىعليهالسلام.
وأجيب بوجوه :
الأوّل : أنّ المراد : أظهر لي أحوالا تفيد العلم بك ضرورة ، وأطلق لفظ الرؤية على العلم مجازا ، وهو جواب الكعبي.
الثاني : أنّ السؤال كان لقومه لا نفسه ، بدليل قوله تعالى : (لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى نَرَى اللهَ جَهْرَةً) (٤) وإنّما أضافه إلى نفسه ليكون أولى بالإجابة ، فلمّا منعه كان أقوى في الدلالة على منع الغير ، وهو جواب الجبائيّين.
الثالث : أنّه كان عالما باستحالتها عقلا فأراد أن يعضد ذلك بالدليل النقلي ، وكثرة
__________________
(١) ص ٣٨ : ٢٥ و ٤٠.
(٢) الاعراف ٧ : ١٤٣.
(٣) جهالة ـ خ : (د).
(٤) البقرة ٢ : ٥٥.