وأمّا الإضلال فالأوّلان من معانيه لا يجوز نسبتهما إليه سبحانه ، لقبحهما وأنّه منزّه عنه كما يجيء.
وأمّا الثالث فيجوز ؛ لأنّه يهلك العصاة ويعاقبهم ، وقول موسى عليهالسلام : (إِنْ هِيَ إِلَّا فِتْنَتُكَ تُضِلُّ بِها مَنْ تَشاءُ) (١) أي ما هي إلّا ابتلاء منك ، أي فتنتهم بتكليمك إيّاي وسماعهم كلامك حتى توهّموا أنّ سماع الكلام يستلزم جواز رؤية المتكلّم ، ونسبة الإضلال إليه مجاز ؛ إذ المضلّ في الحقيقة هو الجهل ، وهو فعل الطبيعة التي هي فعله ، فهو علة بعيدة فجازت النسبة إليه مجازا ، إذ المراد الإهلاك كما ذكرناه أولا.
المقصد الثالث : فيما يمتنع نسبته إلى الفاعل سبحانه
وهو أنواع :
الأوّل : فعل القبيح وترك الواجب ؛ لأنّ له صارفا عنهما ولا داعي له إليهما وكلّ من كان كذلك امتنعا منه.
أمّا بيان أولتي الصغرى ، فهو أنّ علمه بما فيهما من المفسدة وغناه عنها صارف له عن فعلهما.
وأمّا بيان ثانيهما (٢) فلأنّه لما تحقّق الصارف انتفى الداعي ، وإلّا لزم اجتماع الضدّين ، ولأنّ الداعي لو حصل لكان إمّا داعي الطبع أي الحاجة وهو محال ، لما ثبت من غناه (٣) ، وإمّا داعي الحكمة وهو باطل ؛ إذ لا حكمة فيما ذكرناه.
وأمّا الكبرى فلما ثبت من تساوي طرفي الممكن واستناد الترجيح إلى الداعي وعدم الصارف ، وهما مفقودان ، فثبت المطلوب.
__________________
(١) الاعراف ٧ : ١٥٥.
(٢) أي ثاني أولتي الصغرى وهو لا داع إليهما أي لا فعل قبيح وترك واجب قوله : فلأنّه لما تحقّق الصارف ، الصارف علمه وغناؤه ، ولما ثبت كونه كذلك لم يكن له داعيا فكان تحقق الصارف ، وقد عرفته.
(٣) لما بينا من غنائه ـ خ : (آ).