النوع الثاني : اللطف ، وفيه مسائل.
الأولى : تعريفه ، وهو ما يكون المكلّف به أقرب إلى فعل الطاعة وترك المعصية ولا يبلغ الإلجاء ، وليس له حظّ في التمكين ، ويخرج بالأخير الآلة (١) وهو الواجب في الحكمة وإلّا لزم مناقضة الحكيم غرضه ، وهو باطل ، وإلّا لم يكن حكيما ؛ لأنّ العقلاء يعدّون نقض الغرض سفها وهو عليه تعالى محال وأمّا بيان اللزوم فلأنّه تعالى أراد الطاعة من العبد ، فإذا علم أنّه لا يختارها أو لا يكون أقرب إليها إلّا عند فعل يفعله به لا مشقّة عليه فيه ولا غضاضة ، فإنّ الحكمة تقضي (٢) بوجوبه ، وإلّا لكشف عن عدم إرادته كمن أراد حضور شخص مائدته وعلم أنّه لا يحضر إلّا بمراسلة (٣) أو ملاطفة ولم يفعلهما ، فإنّه يعدّ ناقضا لغرضه.
الثانية : في أقسامه ، وهي ثلاثة.
الأوّل : أن يكون من فعله تعالى كإرسال الرسل ونصب الأدلّة ، وقد تقدّم بيان وجوبه.
الثاني : من فعل المكلّف نفسه ، ويجب في حكمته تعالى أن يعرّفه به ويوجبه ، فإنّ
__________________
وهذا ما اختاره الشيخ الأعظم المفيد (ره) وقبله الشيخ أبو سهل النوبختي (ره) ، وبعدهما من المحقّقين المحقّق الطوسي (ره) وغيره من المتأخّرين.
وتدلّ على هذا القول الأدلّة العقلية والنقلية كما ذكرها وحقّق المطلب الفيلسوف الإلهي صدر المتألّهين (ره) في كتابه الأسفار الأربعة مع إثبات البدن البرزخي الذي هو همزة الوصل بين الروح المجرّد والبدن المادي العنصري كما بيّنه شيخنا الأستاذ الأعظم كاشف الغطاء (ره) في الفردوس الأعلى ولا سعة في المقام لبسط الكلام في هذا المرام بأكثر من ذلك ، فراجع الأسفار والفردوس الأعلى وگوهر مراد ورسالة بقاء النفس بعد فناء الجسد للمحقّق الطوسي (ره) وكتاب جامع السعادات للعلّامة النراقي (ره) ، وقد استفدنا تجرد النفس من بعض الآيات القرآنية ، فراجع في ذلك تعاليقنا التي كتبناها في السنين الماضية على الأنوار النعمانية للجزائري (ره) ، ولعلّه تأتى الإشارة إليها في هذه التعليقات إن شاء الله تعالى.
(١) فإنّ لها حظّا في التمكين وليست لطفا. وقولنا : لم يبلغ حدّ الإلجاء ؛ لأنّ الإلجاء ينافي التكليف ، واللطف لا ينافيه وهذا هو اللطف المقرّب.
(٢) تقتضى ـ خ : (آ).
(٣) برسالة ـ خ : (آ).