وعن الثاني بالمنع من جواز المحنة مطلقا ، بل إذا لم يشتمل على وجه قبح لا يمكن إزالته كالمتشابهات ؛ فإنّها يمكن رفعها بما علم ، نظرا من استحالة الجسمية عليه تعالى ، وأمّا إذا اشتملت كما نحن فيه فلا يجوز ، فلأنّا (١) لا نتمكّن من دفع وجه القبح هنا لا ضرورة ولا نظرا.
البحث الثاني : في أنّه مبعوث إلى كافّة الخلق ، ودليل ذلك إخباره عليهالسلام بذلك المعلوم تواترا مع ثبوت نبوّته ، المستلزمة (٢) لاتّصافه بصفات النبوّة التي من جملتها العصمة المانعة ، من الكذب ، وخالف في ذلك بعض النصارى حيث زعم أنّه مبعوث إلى العرب خاصّة ، وهو باطل ؛ لأنّه لما سلّم نبوّته لزمه تصديقه في كلّ ما أخبر به ، ومن جملته عموم نبوّته كقوله في القرآن : (يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعاً) (٣) (وَما أَرْسَلْناكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعالَمِينَ) (٤) (لِأُنْذِرَكُمْ بِهِ وَمَنْ بَلَغَ) (٥) وقوله عليهالسلام : «بعثت إلى الأسود والأحمر(٦)».
ولا يرد كونه عربيا وقد قال سبحانه : (وَما أَرْسَلْنا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا بِلِسانِ قَوْمِهِ) (٧) فلو أرسل إلى غيرهم لزم خطاب من لا يفهم ومخالفة الآية ؛ لإمكان الترجمة فيحصل
__________________
(١) فإنّا ـ خ : (آ).
(٢) المستلزم ـ خ : (د).
(٣) الأعراف ٧ : ١٥٨.
(٤) الأنبياء ٢١ : ١٠٧.
(٥) الأنعام ٦ : ١٩.
(٦) انظر إلى كتاب المغني للقاضي عبد الجبار المعتزلي ، ج ١٦ ، ص ٤٢٤ طبعة مصر. وقالصلىاللهعليهوآله : «لو كان موسى حيّا لما وسعه إلّا اتّباعي وإنّ شريعتي رافعة لشريعة من قبلي» وأضف إلى ذلك أنّ كونه مبعوثا إلى كافة الخلق من الضروريات في الإسلام ، وعليه إجماع الأمّة الإسلامية كما صرّح به القاضي في الصفحة المذكورة ، وما حكاه عن بعض الشيعة من تجويزهم بعثة نبي ولعلهم كانوا من الغلاة كما أشار إليه القاضي أيضا وقد أبادهم الدهر ، وهم في عقيدة الشيعة الإمامية من الفرق المحكوم عليها بالكفر كالنواصب أعداء أهل البيت عليهمالسلام.
(٧) إبراهيم ١٤ : ٤.