لا يثبت حينئذ بخلاف الجنّ والشيطان.
الفصل الثاني : في النسخ ، وهو عبارة عن رفع حكم شرعي بحكم آخر شرعي متراخ عنه على وجه لو لا الثاني لبقي الأوّل ، وهو حق واقع ؛ لوجوه :
الأوّل : أنّ الأحكام شرعت لمصالح العباد على ما تقدّم ، والمصلحة لا يجب دوامها ، فلا يمتنع أن يصير ما هو مصلحة في وقت مفسدة في وقت آخر ، فيتغير الحكم المتعلّق بها وحينئذ يجوز نسخه ، وإلّا لكان التكليف به على تقدير صيرورته مفسدة تكليفا بالقبيح ، ومثاله في الواقع المريض المنتقل من مرض إلى آخر مخالف للأوّل في السبب والمادّة ، لو عولج في الثاني بعين ما عولج به في الأوّل لزم المفسدة ، وهو باطل.
الثاني : أنّه لما ثبتت نبوّة محمّد صلىاللهعليهوآله ، ولا شكّ أنّ ذلك مستلزم لرفع كثير من أحكام الشرائع السابقة فقد وقع النسخ ، وذلك هو المطلوب.
الثالث : الإجماع واقع على أنّ آدم عليهالسلام كان يزوّج الأخ بأخته ثمّ رفع ذلك (١).
__________________
ـ القصة الخرافية من جملتها ، وذكرها في الاستيعاب بترجمة خديجة عليهاالسلام.
قال بعض مشايخنا قدسسره بعد نقلها : إنّه لا يمكن أن يجهل رسول الله صلىاللهعليهوآله أنّه رسول الله ، وقد علم برسالته قبل وقتها الكهّان والرهبان ، ولو جهل بها لكان غيره أولى بالجهل بها في تلك الحال فيلغو فيها إرساله ، أيجوز أن يبعث الله من لا يدري برسالة نفسه ولا يعلم ما هو؟ وهو سبحانه قد آتى الكتاب عيسى عليهالسلام وجعله نبيا وهو في المهد ، وعرّفه أنّه نبيّه وأنطقه برسالته ، ولا أرى أيّ نبوّة لمن يخشى على نفسه من رسول الله إليه ، وأيّ رسالة لمن يحقّقها بقول نصراني ويتعرّفها بقول امرأة حتّى تثبته عليها بذلك الطريق الوحشي ، ولعمري إنّ امرأة تثبت نبيا على نبوّته وتعلمه بها لأحقّ منه بالنبوّة ، وعلى ذلك يكون ورقة وخديجة أوّل الناس إسلاما والسابقين فيه ، حتّى على رسول الله صلىاللهعليهوآله وهذا بالخرافات والكفر أشبه.
قلت : وللعامة روايات في باب بدء الوحي هي بالخرافات أشبه أيضا تركنا التعرّض لها هنا خوفا من الإطالة.
(١) التمسّك بالإجماع في المسألة التي لم ينكشف لنا حقيقتها يجلّ مقام المصنف (ره) عن ذلك ، ولعلّ نظره إلى أخذ اليهود بقولهم مع ما يستفاد من ظاهر القرآن الكريم في قوله تعالى : (خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ واحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْها زَوْجَها وَبَثَّ مِنْهُما رِجالاً كَثِيراً وَنِساءً) النساء آية : ـ ١.