وعن الثاني بالمنع من تواترهم ؛ فإنّ التواتر يشترط فيه استواء الطرفين والواسطة في بلوغ عدد يفيد قولهم العلم ، وهذا لم يحصل لهم ؛ لأنّ بخت نصر البابلي أفناهم إلّا عددا يسيرا لا يفيد قولهم ، فإنّهم كانوا مجتمعين في الشام لا غير فلمّا قتلوا بعث بخت نصر أو من قام مقامه جماعة من أسرائهم إلى اصفهان ، ولم يكن وصل منهم أحد إلى العجم قبل ذلك ، فبنوا بها المدينة المعروفة باليهودية.
ويدلّ على انقطاع تواترهم أنّ التوراة بعد تلك الواقعة صارت ثلاث نسخ مختلفة في التواريخ والأحكام الشرعية : أحدها : عند القرّائين والربانيين ، وثانيها : عند السامرة ، وثالثها : توراة السبعين التي اتّفق عليها سبعون حبرا من أحبارهم ، وهي في أيدي النصارى ، ولو كان لهم تواتر لم يحصل هذا الاختلاف في كتابهم.
الثاني : الردّ على النصارى وهم أيضا اختلفوا فرقا كثيرة ، ويرجع اختلافهم إلى أمرين :
أحدهما : كيفية نزول عيسى وإيصاله بأمّه وتجسّد الكلمة.
وثانيهما : كيفية صعوده واتّصاله بالملائكة وتوحّد الكلمة. ومعظمهم ثلاث فرق : الملكائية : ينسبون إلى الملك (١) الذي ظهر بالروم واستولى عليها ، ولذلك أنّ معظمها ملكائية.
والنسطورية : أصحاب نسطور الحكيم الذي ظهر من زمن المأمون وتصرّف في الأناجيل بحسب ما رآه.
واليعقوبية : وقد حكينا من قبل كيفية اختلافهم وأقوالهم (٢) ، فلا وجه لإعادته ، وأنّه يرجع إلى القول بالأقانيم.
ويدلّ على بطلان قولهم زيادة على ما تقدّم في التوحيد وجهان :
الأوّل : أنّ الأقانيم إمّا أن تكون زائدة على ذاته تعالى أو لا ، والأوّل : إمّا أن تكون
__________________
(١) ملكا ـ خ : (آ).
(٢) انظر إلى صفحة : ـ ١٥٧ من الكتاب.