__________________
قال سبحانه : (وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنا عَلَيْهِمْ بَرَكاتٍ مِنَ السَّماءِ وَالْأَرْضِ وَلكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْناهُمْ بِما كانُوا يَكْسِبُونَ) الأعراف ٩٦ ـ وقال تعالى : (ظَهَرَ الْفَسادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِما كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ) الروم ٤١ ونظائر هذه الآيات الشريفة كثيرة في القرآن الكريم.
وبعد ما صار سوء اختيار المخلوق سببا بأن أخذهم الله تعالى بأعمالهم وبما كسبت أيديهم فليست الشرور أوّلا وبالذات من الله تعالى ، بل باقتضاء سوء اكتساب الناس واختيارهم الفساد وصلت إليهم ، فظهور الشرّ والفساد إنّما هو بما كسبت أيدي الناس ، وفي عين هذا الحال نزولهما من الله تعالى ، ألا ترى أنّ الله يحكي أوّلا عن الكفار كما في سورة النساء ٧٨ وقال : (وَإِنْ تُصِبْهُمْ حَسَنَةٌ يَقُولُوا هذِهِ مِنْ عِنْدِ اللهِ وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَقُولُوا هذِهِ مِنْ عِنْدِكَ) وبعد ذلك يقول سبحانه في تكذيبهم : (قُلْ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ اللهِ فَما لِهؤُلاءِ الْقَوْمِ لا يَكادُونَ يَفْقَهُونَ حَدِيثاً ما أَصابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللهِ وَما أَصابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ) ٧٩ ـ
فيكون الحاصل المستفاد من الآية الشريفة أنّ هذه الأمور كلّها من عند الله ؛ لأنه ليس غيره متصرّفا في عالم الكون ، ولكن الحسنة من الله تعالى يعني اقتضاها فضله وكرمه الذاتي ، والسيئة من عندك يعني بتسبيبك وسوء الاستحقاق الذي هيأته لنفسك بسوء اختيارك. وفي الأحاديث والأدعية المأثورة عن أهل البيت الطاهرين سلام الله عليهم شواهد كثيرة على ذلك ، ففي دعاء التكبيرات الافتتاحية : الخير في يديك والشرّ ليس إليك. يعني أنّ الخير في يديك ينشأ من رحمتك الذاتية ، والشرّ ليس إليك يعني أوّلا وبالذات وبالاقتضاء الأولي ليس منك ، بل بسوء أعمال الناس الفاسدة وأفعالهم الكاسدة التي صارت سببا لأن تصل الشرور منك إليهم ، فالمجعول أوّلا وبالذات وبالاقتضاء الأولي من الله تعالى ليس إلّا الخير المحض ، والشرور مجعولة بالعرض وسببها سوء اعمال الناس وقد استحقوا بها بسوء اختيارهم ، فالمجعول بالذات من الخير المحض ليس إلّا الخير المحض ، ولا يصدر عنه إلّا الخير ولا يصدر عنه الشرّ ، ولكن ظهر في الطرف القابل الفساد فسقط عن القابلية بمقدار ظهور الفساد فيه ، ويصل إليه الفيض بمقدار القابلية من دون أن يكون تفاوت في طرف الفاعل ، وليس فيه قصور ونقص أصلا.
لا يقال : إنّ الجواب المستفاد من الكتاب والسنة في توجيه الشرور الواقعة في العالم إنّما هو بالنسبة إلى الأعمال الصادرة عن المكلّفين من أهل المعاصي ، وهو قاصر عن تفسير الشرور بالنسبة إلى غيرهم ، فإنّ النظر في الشبهة إنّما هو بالنسبة إلى كلّ الشرور الواقعة في الكون ، لا بالنسبة إلى الشرور التي تصل إلى المكلّفين خاصّة وبالنسبة إلى أهل المعاصي منهم ، فما بال الأطفال وغير أهل المعاصي في ابتلائهم بالشرور؟
فإنّه يقال : إنّ كلّ الشرور الواقعة في الكون إنّما هي آثار وضعية بالنسبة إلى الأعمال الصادرة عن البشر ، سواء كانت الشرور التي تصل إليهم أنفسهم أو الشرور التي تقع في الكون وإن لم تصل إليهم ،