الخامس : الردّ على عبدة الأصنام ، قيل : كان قبل إبراهيم عليهالسلام فرقتان : الصابئة والحنفاء.
فالصابئة : مذهبهم ترجيح الروحانيات السماوية على الأنبياء والتعصّب لها ، وسمّوها آلهة وأربابا ، والله ربّ الآلهة والأرباب ، وافترقوا فرقتين :
الأولى : قالوا : إنّ الروحانيات لسنا ندركها بالحسّ لنوجّه العبادة إليها ، والكواكب السيارة مدركة لنا (١) ، وهي كالأجساد للروحانيات فتوجّه العبادة إليها لتكون وسائط بيننا وبين الروحانيات ، وهي وسائط بينها وبين إله الآلهة ، وهؤلاء عبدة الكواكب.
الثانية : قالوا : إنّ الكواكب لها طلوع وغروب وظهور بالليل وخفاء بالنهار ، ولم يصف لنا التقرّب إليها ، ولا ريب أنّ كلّ واحد يتولّى تربية معدن من المعادن ، فيأخذ منه شخصا على صورته وشكله مع مراعاة الوقت والساعة والدرجة والدقيقة والاتّصالات المحمودة المناسبة لذلك الكوكب ، وتوجّه العبادة إليه ونعكف عليه ، إذ هو نصب أعيننا ليكون شفيعا لنا وواسطة لنا ، كما أخبر سبحانه عنهم في القرآن : وقالوا (ما نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونا إِلَى اللهِ زُلْفى) (٢) وهؤلاء هم عبدة الأصنام.
والحنفاء مذهبهم ترجيح الأنبياء على الروحانيات ، وجعلهم واسطة بينهم وبين الله تعالى في تلقّي الوحي لا في العبادة ؛ إذ عبادة الله تعالى غير مفتقرة إلى الواسطة ، ويجب أن يكون الواسطة بيننا وبين الله له وجه روحاني يتلقّى به ما في الغيب ، ووجه
__________________
ـ فكلّ الشرور في العالم إنّما هي من الآثار الوضعية لأعمال البشر (ظَهَرَ الْفَسادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِما كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ).
ثمّ إنّه غير خفي على المتأمّل أنّ الجواب المستفاد من الكتاب والسنة يرجع كما هو الظاهر منه إلى أنّ الشرور أعدام لا وجودات ، فلا تستدعي الشرور مبدأ موجودا ، بل عدم العلّة كاف في ذلك كما ذكره الحكماء الإلهيين ، ولكن في هذا الجواب منشأ الشرور وأسباب وقوعها والباعث لها مبيّن كما هو صريح الآيات الشريفة والسنة السنية.
(١) لها ـ خ : (د).
(٢) الزمر ٣٩ : ٣.