جمهور الحكماء ، وهؤلاء قد تقدّم القول في مبنى مقالتهم. وجماعة يسندون تلك الحوادث إلى الكواكب ، وهم المعبّر عنهم بالمنجّمين إمّا بناء على ما تقدّم أو بناء على وقوع التجربة بوجود أشياء عند حلول كواكب معينة في بروجها ، فظنّوا استنادها إلى ذلك فجعلوا الكواكب نفسه فاعلا بشرط الحلول ، وبعضهم جعلها فاعلة بالإيجاب ، وبعضهم بالاختيار.
وأنكر ذلك المسلمون ومحقّقو الحكماء ، ونحن نذكر ما استدلّ الفريقان به على بطلان قولهم وهو وجوه :
الأوّل : دليل الحكماء وتقريره أنّ المؤثّر في عالم الكون والفساد إمّا ذات الكواكب أو ذات البروج ، وهما يستلزمان حدوث الحادث قبل أن يحدث وهو باطل ، أو حلول الكواكب في البروج وهو أيضا باطل ؛ لأنّ الكواكب والبروج إمّا أن تكون متساوية بالماهية أو مختلفة ، والأوّل يستلزم أيضا حدوث الحادث قبل أن يحدث ، والثاني باطل لما قرّروه من أنّ الأفلاك بسيطة ، وإذا لم يكن المؤثّر هذه الثلاثة يكون المؤثّر شيئا آخر ، وهو المطلوب.
إن قيل (١) : لم لا يختلف تأثيراتها عند حلولها في البروج لا لاختلاف البروج في ذواتها بل لاختلاف ما فيها من الكواكب الثابتة.
قلت : لو كان الأمر كما قلت (٢) لوجب أن تختلف الأحكام ؛ لأنّ البروج على طول الزمان تنتقل من كواكب إلى أخرى. فإن قلت : العقرب اليوم في أوّل القوس أو ثانيه ، لكن البروج عندهم لا تتغيّر عن طبائعها وتأثيراتها وإن طال الزمان.
الثاني : أنّه لا سبيل لهم إلى العلم بأحكام النجوم إلّا التجربة ، ولم تصحّ التجربة
__________________
(١) إن قلت ـ خ : (آ).
(٢) قوله : كما قلت لوجب ـ إلى قوله ـ عن طبائعها. هكذا وقعت العبارة في النسختين خ (د) و ـ خ : (آ) الظاهر أنّ صوابه : أنّ الكواكب على طول الزمان تنتقل من برج إلى آخر وصواب الاستثناء : لكنّ الكواكب لا تتغير عن طبائعها ؛ لأنّ المنتقل في البرج هو الكواكب لا العكس والتأثير المدّعى للكواكب لا العكس ، والظاهر أنّ هذا من سهو الناسخين.