جواب ، فكيف في ابتدائه؟ وأمّا الثاني : فإنّ أباه كان مناديا لابن جذعان وهو تابع لأبيه ، ولما كبر كان معلّما للصبيان ، فأيّ حرمة له حينئذ؟
الثاني (١) : العلم وهو النعمة (٢) الكبرى في الفضيلة ، ولنا في إثبات أفضليّته عليهالسلام فيه بيانان : الأوّل : إجمالي وهو وجوه :
الأوّل : أنّه عليهالسلام كان في الغاية من الذكاء والفطنة والحرص على اقتناء الفضيلة ، شديد المصاحبة للرسول صلىاللهعليهوآله ودائمها ، بحيث لم يفارقه من زمان الصغر إلى آخر عمره إلّا زمانا يسيرا لا يعدّ مفارقة ، والرسول صلىاللهعليهوآله أعلم العلماء شديد الحرص على التعليم عامّا وله خاصّا ، وإذا اتّفق لمثل هذا التلميذ المستعدّ المداومة على صحبة هذا الأستاذ الكامل ، فلا شكّ ولا ريب أنّ ذلك التلميذ يبلغ في العلم مرتبة لا يلحقه غيره فيها.
ولا يمكن إنّ يقال : إنّ أبا بكر كان أيضا كذلك لأنّا نمنع ذكاءه أوّلا وحرصه (٣) ثانيا ، ومن وقف على صفاته عرف ذلك. سلمنا لكن فرق بين الحالتين ، فإنّه اتّصل بالرسول وهو شيخ كبير السن ، وقد قيل : العلم في الصغر كالنقش في الحجر ، والعلم في الكبر كالنقش في المدر أو كالكتابة على وجه الماء.
الثاني : قوله صلىاللهعليهوآله : «أقضاكم عليّ» والقضاء يحتاج إلى جميع العلوم فوجب أن يكون محيطا بها (٤).
الثالث : قوله تعالى : (وَتَعِيَها أُذُنٌ واعِيَةٌ) (٥) أكثر المفسّرين على أنّها نزلت في حقّ علي عليهالسلام ، ووصفه بزيادة الفهم دليل على زيادة العلم.
الرابع : قوله عليهالسلام : «لو كشف الغطاء ما ازددت يقينا» (٦) وكذا قوله : «بل اندمجت
__________________
(١) أي النوع الثاني من الفضائل النفسانية.
(٢) العمدة ـ خ : (آ).
(٣) حفظه ـ خ : (آ).
(٤) فمن هنا تعرف ما في قول بعض الشارحين : إنّ قوله : أقضاكم ، أي أفقهكم ـ من النظر والغرض.
(٥) الحاقة ٦٩ : ١٢.
(٦) هذه الكلمة المباركة أول الكلمات المائة التي اختارها الجاحظ من كلمات أمير المؤمنين عليهالسلام وقال : «كلّ كلمة منها تفي بألف من محاسن كلام العرب» وقد شرحها العالم الربّاني ابن ميثم البحراني قدسسره شارح ـ