الفصل الثاني : ذهب الأشاعرة ومعتزلة البصرة إلى أنّ أبا بكر أفضل ، واستدلوا بوجوه :
الأوّل : أنّ أبا بكر أتقى ، وكلّ من كان أتقى كان أفضل.
أمّا الصغرى فلقوله تعالى : (وَسَيُجَنَّبُهَا الْأَتْقَى الَّذِي يُؤْتِي مالَهُ يَتَزَكَّى وَما لِأَحَدٍ عِنْدَهُ مِنْ نِعْمَةٍ تُجْزى) (١) فالمراد به إمّا علي عليهالسلام أو أبو بكر وفاقا ، والأوّل ممنوع لقوله : (وَما لِأَحَدٍ عِنْدَهُ مِنْ نِعْمَةٍ تُجْزى) وعلي عليهالسلام لم يكن موصوفا بهذه الصفة ؛ لأنّه نشأ في تربية النبيّ صلىاللهعليهوآله ، وذلك نعمة تجزى بخلاف أبي بكر ، فإنّه ليس لأحد عليه من نعمة إلّا نعمة الإرشاد ، وتلك نعمة لا تجزى ، إمّا لقوله تعالى : (وَما أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ) (٢) وإمّا لعظم قدرها فتعيّن الثاني.
وأمّا الكبرى فلأنّ كلّ من كان أتقى كان أكرم عند الله وأفضل ؛ لقوله تعالى : (إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللهِ أَتْقاكُمْ) (٣).
الثاني : قوله صلىاللهعليهوآله في حقّه : «ما طلعت شمس ولا غربت على أحد بعد النبيين والمرسلين أفضل من أبي بكر».
الثالث : قوله صلىاللهعليهوآله لأبي بكر وعمر : «هما سيّدا كهول أهل الجنة ما خلا النبيين والمرسلين».
والجواب عن الأوّل بالمنع من الإجماع ، على أنّ المراد إمّا أبو بكر أو علي عليهالسلام ؛ لجواز أن يكون المراد أبو الدحداح الذي اشترى النخلة المائلة إلى دار الفقير ، الذي شكا إلى النبي عليهالسلام ما يلقاه من صاحبها ، فطلبها النبي منه ليعطيها الفقير وله بها نخلة في الجنّة فأبى، فمضى أبو الدحداح إليه واشتراها منه بأربعين نخلة حاضرة ، ودفعها إلى النبيصلىاللهعليهوآله فدفعها إلى الفقير ، فنزل (وَاللَّيْلِ إِذا يَغْشى) (٤) إلى آخرها ، كذا رواه
__________________
(١) الليل ٩٢ : ١٧ ـ ١٩.
(٢) الفرقان ٢٥ : ٥٧ ؛ الشعراء ٢٦ : ١٠٩ ، ١٢٧ ، ١٣٥ ، ١٦٤ ، ١٨٠.
(٣) الحجرات ٤٩ : ١٣.
(٤) الليل ٩٢ : ١.