الرابع : أنّ البقاء أمر عقلي لا عرض وجودي. سلمنا لكن لا يعقل وجوده إلّا في محلّ وإلّا لكان جوهرا ، ووجوده في المحلّ يستلزم الدور ؛ لأنّ كلّا منهما باق بصاحبه.
الرابع : المحقّقون على امتناع إعادة المعدوم وادّعوا الضرورة في ذلك ، ونبّهوا عليه بوجوه :
الأوّل : أنّ ما عدم لم يبق له هوية يشار إليها فيحكم عليها بصحّة العود ، مع أنّ الحكم على الشيء مشروط بتحقّق (١) ماهيته.
الثاني : لو أعيد بعينه تخلّل العدم بين الشيء ونفسه وهو محال.
وبيانه : أنّ الوجود الثاني إن كان هو الأوّل فذاك ما قلناه ، وإن كان غيره فهو ما طلبناه.
الثالث : أنّه يلزم صدق المتقابلين عليه وهو محال ؛ فإنّه لو أعيد لأعيد مع جميع مشخّصاته التي من جملتها الوقت الذي كان عليه ، فيكون مبتدأ بذلك الاعتبار ومعادا باعتبار وجوده الثاني ، فيكون مبتدأ معادا معا وهما متقابلان.
وقال المثبتون بامكانه بناء منهم على تقرّر ماهية حال العدم ، وقد عرفت ما فيه. وقال نفاة الأشاعرة بذلك أيضا وإلّا لخرج عن الإمكان إلى الامتناع ، وهو باطل ؛ لما ثبت من إمكانه الذاتي.
وفيه نظر ؛ لأنّ الحكم بامتناع وجوده المقيّد بكونه بعد العدم ، وذلك ليس للذات حتّى يخرجه (٢) إلى الامتناع بل لأمر لازم.
الخامس : في حقيقة الإنسان ، قد مرّ أنّ الحكماء يثبتون الجوهر المجرّد ، وقد حكينا دليلهم ، وتابعهم على ذلك جماعة ، وقال قوم من المتكلّمين : إنّه الهيكل المحسوس.
والمحقّقون منهم على أنّه أجزاء أصلية في هذا البدن ، باقية من أوّل العمر إلى آخره لا تتطرّق إليها الزيادة والنقصان ، وهو الأقرب ؛ لوجهين.
__________________
(١) بتحقيق ـ خ : (د).
(٢) تخرج ـ خ : (آ).