القيام به؟ حيث لم يتصوّروا المعاد الروحاني فعبّروا لهم بالجسماني ، ليكون ذلك المعلوم باعثا لهم ، فإنّهم لو خوطبوا بالروحاني لم يتصوّروه ولم يصدّقوا به ، ولم ينبعثوا ، كما عبّر في صفات الله بالمتشابهات (١) المشعرة بالجسمية ؛ لعدم تصوّرهم المجرّدة ، ثمّ أوّلت لمن له عقل ، فكذا نقول هنا : يجب تأويل ما ورد من كلامهم.
وأيضا لو أكل إنسان إنسانا بحيث صارت أجزاء المأكول أجزاء للآكل ، فلا يرد إليهما معا يوم القيامة وإلّا لكان الجزء الواحد جزء لبدنين ، وهو محال ، ولا إلى أحدهما خاصة وإلّا لزم الترجيح من غير مرجّح ، مع أنّه يلزم ضياع الآخر.
لأنّا نجيب عن الأوّل بأنّ التأويل إنّما يصار إليه إذا لم يكن الحمل على الظاهر ممكنا ، كالمتشابهات المذكورة. وأمّا هنا فلا لعدم المعارض أوّلا ولقيام الدليل على وجوبه ثانيا ، ولما علم من دين النبيّ صلىاللهعليهوآله بالضرورة ، أنّه كان يثبت المعاد الجسماني ، ويكفّر من أنكره ثالثا.
وعن الثاني بأنّا بيّنا أنّ الإنسان عبارة عن الأجزاء الأصلية ، فالمأكول أجزاء فضلية بالنسبة إلى الأكل وأصلية بالنسبة إليه ، فإذا أعيدت لا يلزم ضياع الأكل لبقاء أجزائه الأصلية.
البحث الثاني : في إثبات السمعيات وهي أنواع :
الأوّل : الجنّة والنار ، والبحث فيهما في مقامين : الأوّل : في إمكانهما ، الحقّ ذلك ، لما تقدّم من عموم قدرته تعالى ولإخبار الصادق به ، ونفاه الحكماء محتجين ؛ بأنّهما لو أمكنا لكانا إمّا في هذا العالم أو غيره.
والأوّل : إما فلكياته وهو باطل وإلّا لزم جواز الانخراق عليها ومخالطتها للفاسدات.
__________________
(١) المشابهات ـ خ : (آ).