وقيل : إنّه ملك يقابل الحسنات بالسيئات.
وقيل : هو العدل في القضاء ومعاني الباقي ظاهر مشهور ، ولا شكّ في إمكان الجميع.
الرابع : النقل الشريف دالّ على أنّه (ما مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلا طائِرٍ يَطِيرُ بِجَناحَيْهِ إِلَّا أُمَمٌ أَمْثالُكُمْ ما فَرَّطْنا فِي الْكِتابِ مِنْ شَيْءٍ ثُمَّ إِلى رَبِّهِمْ يُحْشَرُونَ) (١) فهؤلاء منهم من يحكم العقل بوجوب البعثة ، وهو كلّ من له حقّ أو عليه حقّ للإنصاف والانتصاف ، ومنهم من لم يحكم بوجوبه بل بجوازه كمن عدا هؤلاء.
البحث الثالث : [أنّ الحكماء لمّا منعوا من الميعاد] اعلم أنّ الحكماء لمّا منعوا من الميعاد (٢) الجسماني أثبتوا الروحاني ، بناء منهم على ما سبق من تجرّد النفس أوّلا وعلى استحقار (٣) اللذات الحسيّة وعدم الاحتفال بها ، رام جماعة من المحقّقين الجمع بين الحكمة والشريعة ، فقالوا : دلّ العقل على أنّ سعادة النفوس في معرفة الله تعالى ومحبّته ، وعلى أنّ سعادة الأبدان في إدراك المحسوسات ، ودلّ الاستقراء على أنّ الجمع بين هاتين السعادتين في الحياة الدنيا غير ممكن ؛ وذلك أنّ الإنسان حال استغراقه في تجلّي أنوار عالم الغيب لا يمكنه الالتفات إلى اللذات الحسيّة ، وإن أمكن كان على ضعف جدّا بحيث لا يعدّ التذاذا وبالعكس ، لكن تعذّر ذلك سببه ضعف النفوس البشرية هنا ، فمع مفارقتها واستمدادها الفيض من عالم القدس تقوى وتشرق ، فمع إعادتها إلى أبدانها غير بعيد أن تصير هناك قويّة على الجمع بين السعادتين على الوجه التام ، وهو الغاية القصوى في مراتب السعادة.
قالوا : وهذا لم يقم على امتناعه برهان ، فلذلك أثبتوا المعادين. وحيث الحال كذلك فلنشر إلى تتميم هذا البحث بفوائد يظهر بها المعاد الروحاني :
الأولى : إثبات التجرّد وقد سلف شيء من أدلّته وأحكامه (٤) ، لكن نزيد هنا
__________________
(١) الأنعام ٦ : ٣٨.
(٢) المعاد ـ خ : (آ).
(٣) استخفاف ـ خ : (آ).
(٤) إمكانه ـ خ : (آ).