الثالث : في أحكامهما ، وهي أقسام :
الأوّل : اتّفقت الإماميّة والمعتزلة على دوامهما ، وأنّ العلم به عقلي ، وقالت المرجئة والأشاعرة : سمعي ، والمختار الاوّل ، لوجوه :
الأوّل : أنّ العلم بذلك باعث للعبد على إيقاع الطاعة وارتفاع المعصية ، فيكون لطفا ، واللطف واجب.
الثاني : أنّ فاعل الطاعة إذا لم يظهر منه ندم يستحقّ المدح دائما ، وفاعل المعصية إذا لم يظهر منه ندم يستحقّ الذمّ دائما ، فكذا استحقاق الثواب والعقاب دائما ، ولأنّ دوام أحد المعلولين يستلزم دوام الآخر ؛ لأنّ العلّة تكون دائمة أو في حكم الدائمة.
الثالث : لو لم يكونا دائمين لزم حصول الألم للمثاب والسرور للمعاقب بالانقطاع فيهما ، واللازم باطل ؛ لأنّه يجب خلوصهما عن الشوائب ، والملازمة ظاهرة.
الثاني : يجب كونهما خالصين من شوائب الضدّ ، أمّا الثواب فلأنّه لولاه لكان أنقص حالا من العوض والتفضّل ؛ لأنّه يجب خلوّهما عن الشوائب اتّفاقا ، فلو لم يكن الثواب خاليا لكانا أكمل منه ، وهو باطل.
إن قلت : هذا معارض بأنّ أهل الجنّة متفاوتون في الدرجات فالأنقص منهم يغتمّ بنقص درجته وبعدم اجتهاده في ازدياد الطاعة ، وبأنّهم يجب عليهم شكر المنعم وترك القبيح ، وهما مشقّتان.
أجيب عن الأوّل بأنّ شهواتهم مقصورة على ما حصل لهم ، فلا غمّ لفوات الزائد.
وعن الثاني بأنّ المشقّة فيهما مكسورة ، بل معدومة بزيادة السرور بالشكر وغناهم بالثواب عن فعل القبائح ، وأمّا العقاب فلأنّه أدخل في الزجر عن القبيح فيكون لطفا.
إن قلت : أهل النار تاركون للقبائح ، وذلك تكليف يستدعي جزاء فإن أوصل (١) نافى الخلوص وإلّا لزم الإخلال بالواجب.
أجيب بأنّهم ملجئون ، وشرط الجزاء الفعل اختيارا.
__________________
(١) وصل ـ خ : (آ).